عز الدين القسام.. السوري الذي قاد مقاومة فلسطين

الشيخ عز الدين القسام، أحد أبرز القادة الفلسطينيين الذين حاربوا الاحتلال البريطاني في فلسطين، وأصبح رمزًا للمقاومة الفلسطينية والعربية. استشهد في عام 1935، لكن تأثيره لم يتوقف، بل استمر ليُلهم الأجيال الفلسطينية المتعاقبة في مسيرة نضالهم ضد الاحتلال الإسرائيلي. القسام كان من أوائل من حملوا راية المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الصهيوني، وأسس حركة مقاومة منظمة تحولت إلى إرث طويل من الكفاح المسلح في تاريخ فلسطين.
النشأة والبداية
وُلِد الشيخ عز الدين القسام في 1 من يونيو 1882 في قرية جبلة في سوريا. نشأ في بيئة دينية وأخلاقية محافظة، حيث كان والده من علماء الدين، وأثر ذلك في شخصيته ودعواته للتغيير. التحق في صغره بمدرسة القرآن في قريته، ثم انتقل إلى القاهرة في سن الرابعة عشرة ليكمل دراسته في الأزهر الشريف، حيث تأثر بالعلماء الذين دعوا إلى الإصلاح في العالم العربي مثل الشيخ محمد عبده والشيخ رشيد رضا.
البداية في المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي
لم يكن الشيخ القسام من الشخصيات التي تقبل الخنوع والذل، حيث كانت بداياته في المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي في سوريا ولبنان، وذلك عندما هاجم الفرنسيون لبنان في العشرينيات. ثم، في عام 1911، قرر القسام الانضمام إلى المجاهدين في ليبيا للقتال ضد القوات الإيطالية التي اجتاحت البلاد. أسس خلية مقاومة هناك وشارك مع المجاهدين الليبيين في حربهم ضد المستعمرين الإيطاليين. بعد هذه التجربة، قرر القسام الانتقال إلى فلسطين في عام 1921 بحثًا عن أرض جديدة للقتال ضد المستعمرين البريطانيين.
الانتقال إلى فلسطين والمشاركة في الحركة الوطنية
في عام 1921، وصل الشيخ القسام إلى مدينة حيفا في فلسطين وبدأ في ممارسة نشاطاته الدينية والتعليمية. عمل على تأسيس جمعية الشبان المسلمين، وهي منظمة تهدف إلى نشر الوعي الديني والوطني بين الشباب الفلسطيني. في هذه الأثناء، بدأت الهجرة اليهودية إلى فلسطين بشكل مكثف، مما ساهم في تهديد الهوية الوطنية الفلسطينية.
تأسيس العصبة القسامية
في عام 1928، أسس الشيخ عز الدين القسام “العصبة القسامية”، وهي عبارة عن جماعة سرية من المقاومين الفلسطينيين الذين حملوا السلاح لمقاومة الاحتلال البريطاني والهجرة اليهودية. في هذه الفترة، تأثرت أفكار الشيخ القسام بأفكار الجهاد الإسلامي المقاوم، وعكف على نشر الفكر الإسلامي الجهادي بين أتباعه. العصبة القسامية كانت أولى محاولات التنظيم الفلسطيني المقاوم بشكل منهجي واحترافي ضد الاستعمار.
الثورة الفلسطينية الكبرى 1936:
في عام 1936، بدأت الثورة الفلسطينية الكبرى ضد الاحتلال البريطاني والصهيونية، والتي تعتبر إحدى أكبر الثورات الفلسطينية. كان الشيخ عز الدين القسام هو الباعث الأول لهذه الثورة، حيث كانت العمليات التي قادها ضد القوات البريطانية، مثل الهجمات المسلحة على مراكز الشرطة والمستوطنات اليهودية، من الأسباب المباشرة لتفجر الثورة في تلك السنة. المقاومة الفلسطينية لم تتوقف بعد استشهاد القسام، بل تحولت إلى ثورة شاملة شارك فيها كافة شرائح المجتمع الفلسطيني.
استشهاد القسام:
في 20 نوفمبر 1935، تمكنت القوات البريطانية من محاصرة الشيخ القسام في أحد الأماكن النائية قرب جنين في فلسطين. استشهد القسام بعد مقاومة بطولية مع 11 من أتباعه في معركة استمرت عدة ساعات. استشهاد الشيخ القسام في ذلك الوقت كان بمثابة رافعة لثورة شعبية كبرى، حيث زادت حدة الاضطرابات في فلسطين وتوسعت العمليات المسلحة ضد الاحتلال البريطاني.
إرث القسام وتأثيره
لقد أسس الشيخ عز الدين القسام لمرحلة جديدة من النضال الفلسطيني ضد الاحتلال. كان تأثيره كبيرًا على الحركة الوطنية الفلسطينية، حيث شكل نموذجًا للمقاومة المنظمة والشاملة. بعد استشهاده، بدأت الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939) التي شكلت حجر الزاوية للنضال الفلسطيني.
أما في العصر الحديث، فقد أصبح اسم القسام مرتبطًا بحركة حماس، التي كانت أسست جناحها العسكري تحت اسم “كتائب الشهيد عز الدين القسام”، وذلك في إشارة إلى الإرث الكبير الذي خلفه الشيخ القسام في مقاومة الاحتلال. وقد شهدت السنوات الأخيرة تحولًا كبيرًا في الفكر الاستراتيجي للمقاومة الفلسطينية، حيث تأثرت فصائل المقاومة الحديثة بالفكر الذي زرعه الشيخ عز الدين القسام في مسار النضال ضد الاحتلال.
حركة حماس وكتائب القسام:
حركة حماس، التي تأسست في عام 1987، تعتبر امتدادًا مباشرًا لفكر الشيخ عز الدين القسام. تسمية الجناح العسكري للحركة باسم “كتائب الشهيد عز الدين القسام” هي تمجيد وتخليد لذكراه، وهي تعبير عن استمرارية المقاومة في فلسطين التي بدأها القسام. في يوم السابع من أكتوبر 2023، نفذت “كتائب القسام” عملية “طوفان الأقصى” التي كانت أكبر هجوم عسكري ضد الاحتلال الإسرائيلي في العقود الأخيرة، مما يثبت أن الإرث الذي تركه الشيخ القسام لا يزال حيًا في قلوب الشباب الفلسطيني.
القسام في الذاكرة الفلسطينية:
يمثل الشيخ عز الدين القسام شخصية محورية في تاريخ فلسطين الحديث. هو رمز للصمود والمقاومة التي لا تعرف التوقف. يتم الاحتفال بذكراه في الكثير من الفعاليات والأنشطة الثقافية الفلسطينية، وتظل كلماته وأفعاله مصدر إلهام للمجاهدين الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم.
لا يزال الشيخ عز الدين القسام يمثل قدوة ونموذجًا في الكفاح الفلسطيني ضد الاحتلال. لم يكن فقط مجاهدًا دينيًا، بل كان مفكرًا ومخططًا استراتيجيًا، حيث وضع الأسس التي استندت عليها الحركة الوطنية الفلسطينية والمقاومة المسلحة في مواجهة المستعمرين. تظل ذكراه حيّة في قلوب الفلسطينيين والعرب، وتبقى سيرته تلهم الأجيال القادمة في مواصلة الطريق نحو الحرية والاستقلال.