بعد مقالي عن: إخوانجية تحولوا لأمنجية!!، وكنت أشرت لدراسة سابقة لي بعنوان: الخارجون عن الإخوان.. متى وكيف ولماذا؟ وقد نشرت منذ ما يقرب من (15) عاما، فأنشرها على حلقات بإذن الله.
الخارجون عن الإخوان.. متى وكيف ولماذا؟ الحلقة الأولى:
لماذا هذه الدراسة؟
ليست بغية هذه الدراسة أن تنبش في الماضي لتخرج ما فيه من سقطات أو أخطاء بهدف النَّيْل، أو التجريح من جهة ما، أو لحساب جهة على أخرى، إنما هدفها أن تنظر إلى الماضي نظرة فاحصة، مستخرجة الدروس والعبر، مستلهمة منه ما يعين على فهم الحاضر، واستشراف المستقبل، وطي صفحة غدت في بطن الغيب بين يدي الخالق جل وعلا، بما فيها من حسنات وسيئات، ولكي لا ننسف المستقبل لصالح الماضي، ولكي لا يتكرر الخطأ في التعامل مع الناس، وتناسي أقدارهم وعطاءهم، وحسن تصنيفهم تصنيفا يقوي الجماعة الوطنية ولا يضعفها، وينهض بالفكر الإسلامي، ويغذيه بروافد عديدة لا يشترط أن تخرج من معين دَعَويٍّ وفكري واحد.
وقد اخترت الذين خرجوا من الإخوان بناء على موقف أو خلاف فكري، سواء في فكر الإخوان، أو في فكر إدارة الجماعة، وابتعدت عن الانشقاقات القائمة على أسباب سياسية أو شخصية، أو ما شابهها، لسببين مهمين:
أولهما: لأنه يصعب فيها أن يخرج الباحث بنتيجة بحثية تنتهي بحكم صائب، أو بتخطئة رأي وتصويب آخر، إذ هي غالبا ما تكون في أمور إدارية تنظيمية سرية بحتة.
ثانيهما: أنه يصعب أن يسمع الباحث من الطرفين، ففيها أمور تنظيمية قد يخفي طرف منها ما لديه فيها، بما يمثل ذلك من حساسية في إخراجها للنشر لأصحاب الشهادات، أو اتهاما للباحث بتلقيه المعلومة من جهات أمنية مما يشكك في نزاهة الباحث والبحث.
دوافع الخروج من الإخوان:
لم تكن دوافع وأسباب الخروج من جماعة الإخوان واحدة، فقد كانت متعددة، وأغلبها بني على مواقف فكرية، سواء كانت مرتبطة بموقف انفعالي، أو موقف مدروس نتيجة محنة دفعت بأصحاب المواقف لاتخاذ قرارهم، أو تأمل الخارج منهم إلى مآلات الأمور ففكر في وسيلة أخرى يعمل بها دون صدام مع الجماعة أو النظام القائم، وقد حصرتها فيما يلي:
1ـ سبب فكري:
فمن الأسباب من كان فكريا، حيث اختلف مع الإخوان في التوجه، أو اتفق معهم في الغاية، وهي إقامة دولة إسلامية، والعودة بالمجتمع إلى الإسلام، ولكنه اختلف في الوسيلة والأداة التي يتغير بها المجتمع، أو ينصلح حاله بها، فمن هؤلاء: جماعة شباب محمد، وقد انشقوا عن الإخوان في عهد حسن البنا، وكان السبب أنهم اتهموا الإخوان بالتخلي عن واجب الجهاد، وتغيير المنكر باليد، ومنهم: سامي علي النشار، صاحب (التفكير الفلسفي في الإسلام) وغيره. وقد كان بعض هؤلاء انضم لحزب مصر الفتاة، وشاركوا معه في حادث تحطيم الحانات، سنة 1938م، والذي تراجع عنه أحمد حسين بعد ما يقرب من أربعين عاما في مقال له في مجلة الأزهر سنة 1978م.
2ـ الاقتناع بوسائل أخرى للعمل:
ومنهم من اقتنع بوسيلة أخرى يخدم بها الإسلام، وهي وسيلة التحالف مع السلطة، وعدم الصدام بها، واغتنام الفرصة التي تمنحها إياه من حيث إطلاق يده في وزارة معينة، أو منصب يمارس فيه مهامه التي يخدم فيها الإسلام، ومن أبرز هؤلاء شخصيتان لهما ثقلهما في جماعة الإخوان المسلمين بوجه خاص، وفي الفكر الإسلامي بوجه عام وهما: الشيخ أحمد حسن الباقوري، والدكتور عبد العزيز كامل، فكلاهما تولى وزارة الأوقاف في عهد جمال عبد الناصر.
أما الشيخ أحمد حسن الباقوري، وقد اقتنع بأنه عن طريق توليه منصب وزير الأوقاف يستطيع أن يخدم الدعوة والإسلام أكثر من تواجده في تنظيم الإخوان، وقد طلب جمال عبد الناصر ورجال ثورة يوليو من الإخوان أن يرشحوا لهم أربعة لتولي وزارات في حكومة الثورة، فرشحوا أفرادا ليس منهم الباقوري، ورشحت الثورة الباقوري لوزارة الأوقاف، فقبل الباقوري، ورفض مكتب الإرشاد العرض، فخالف بذلك الباقوري رغبة الإخوان، فقدم استقالته من الجماعة.
وقد سأل أحد الصحفيين الشيخ الباقوري وزير الأوقاف عن أسباب استقالته من الإخوان، فقال: (هي أسباب أحب أن أوثر بها نفسي. وليس من بينها سبب واحد يمس احترامي لإخواني، واعتزازي بهم، فكل واحد منهم صغيرا كان أو كبيرا في أعمق مكان من قلبي).
وبالفعل كان للباقوري إنجازات قوية في وزارة الأوقاف، وكان له دور مع شباب الإخوان الذين عارض الأمن تعيينهم، وكان من هؤلاء عشرة من خريجي الأزهر، المعينين على وظيفة إمام وخطيب، ورفض الأمن تعيينهم لانتمائهم لجماعة الإخوان، وإذ بالباقوري يفاجئ الجميع بتعيينهم على مسؤوليته الشخصية، وكان من بين هؤلاء العشرة: يوسف القرضاوي، وأحمد العسال.
وقام الباقوري كذلك بخدمات لعدد من الإخوان المسلمين، ورفع الظلم عن بعضهم، كما يشهد بذلك مؤرخ الإخوان محمود عبد الحليم. حيث قال عنه: هذه المفاجأة المؤلمة والتي انتهت بفقد الدعوة لأحد أبنائها الكبار لم تفقد المرشد العام – من ناحية – حبه الشخصي لهذا الأخ، كما أنها – من الناحية الأخرى – لم تفقد هذا الأخ الكبير حبه وتقديره للمرشد العام.. ثم قررت بدوري أنها لم تفقدني حبه.. وأوردت أمثلة لتصرفات تومئ إلى أن هذا الأخ وإن فقد موقعه في الدعوة، فإنه حاول جاهدا أن يعمل للمبادئ التي تعلمها في الدعوة، والمثل التي أشربها في موقعه الجديد.
أما د. عبد العزيز كامل والذي كان يسميه حسن البنا: ابن الدعوة (أي دعوة الإخوان) البكر، فقد كان مسؤولا عن قسم الأسر، ولما حدث الصدام بين عبد الناصر والإخوان في 1954م وسجن في السجن الحربي، كان يدون كشوف الأسماء، فقد كان خطه جميلا، ويتقن إدارة الأمور المعيشية في السجن، فاستخدمه المسؤولون عن السجن الحربي في ترتيب أموره، وكتابة كشوف الأسماء وغيره، مما جعل له مكانة عندهم تقدر في بعض الأحيان. وخفف عن كثير من الإخوان التعذيب، لما له من مكانة عند مسؤولي السجن.
ولكنه تأمل في حال الدعوة وهو في السجن الحربي، وطال تفكيره، فانتهى به إلى أن ينهج نهجا آخر في العمل الدعوي، وصارح بذلك أحد تلامذته، وقد سألت هذا التلميذ عن سبب قرار عبد العزيز كامل ترك العمل مع الإخوان، فذكر: أن عبد العزيز كامل لم يكن يحب – بعد حبه لله ورسوله – أحدا كأمه، فجاءوا بها له في المعتقل، وهددوه بها، فكان هذا سبب انهيار الرجل، وتفكيره في البحث عن وسيلة أخرى يعمل للإسلام بها، غير التواجد في تنظيم الإخوان المسلمين. وخرج عبد العزيز كامل من السجن، ثم بعد ذلك تولى وزارة الأوقاف في عهد عبد الناصر.
3ـ تجنيب الدعوة الصدام مع السلطة:
وممن ترك الإخوان وكان بناء على رأي عنده، فئة أخرى، رأوا ما رأوا من بوادر صدام حاد، يلوح في الأفق، وينذر بصدام دموي شديد بين الثورة والإخوان، وتحديدا بين جمال عبد الناصر والإخوان، ففكر في أن ينأى بنفسه بعيدا عن هذا الخلاف الشديد، ويبحث عن ميدان للعمل، يخدم فيه الإسلام، بعيدا عن العمل التنظيمي في الإخوان، ومن هؤلاء: الأستاذ البهي الخولي، وهو من جيل حسن البنا، وأستاذ القرضاوي، فقد رأى العلاقة بين الإخوان وعبد الناصر تصل إلى مرحلة احتقان شديدة، وكان رأيه – كما حكى لي الشيخ القرضاوي – أن على الجماعة أن تكتفي بما قدمت من تاريخ مشرق، وتنسحب من العمل السياسي، حتى لا يشوه تاريخها، وما قدمته، وفعلا قرر البهي ترك التنظيم، وقد كان لعلاقة البهي الخولي السابقة بالإخوان فضلا في تخفيف شدة الاحتقان – بعض الشيء – بين عبد الناصر والإخوان، خاصة مع بعض أفرادهم ممن لم يكن بينهم وبين عبد الناصر شخصيا خلاف، كما كان للبهي الخولي ابن يعمل ضابطا في السجن الحربي – اسمه مجيد – وكان يخفف عن مسجوني الإخوان، بحكم علاقة والده السابقة بالإخوان.