في خطوة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الدولية، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية فرض عقوبات على المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيزي، متهمة إياها بالسعي لحض المحكمة الجنائية الدولية على اتخاذ إجراءات ضد مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين.
وأكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، في بيان رسمي، أن العقوبات تأتي بسبب ما وصفه بـ”جهود غير مشروعة ومخزية” تبذلها ألبانيزي لملاحقة شخصيات أمريكية وإسرائيلية أمام العدالة الدولية.
انتقادات دولية وأسف أممي
في المقابل، أعرب رئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يورغ لاوبر، عن أسفه الشديد للقرار الأمريكي، مؤكدًا في بيان رسمي أن “فرض عقوبات على مقررة أممية يبعث برسالة خاطئة تقوض استقلالية آليات حقوق الإنسان”.
وأوضح لاوبر أن المقررين الخاصين، مثل ألبانيزي، هم خبراء مستقلون يُعيَّنون من قبل المجلس ولا يتحدثون باسم الأمم المتحدة رسمياً، لكنهم يتمتعون بحرية كاملة في أداء مهامهم الرقابية والحقوقية.
ألبانيزي تتحدى
وفي أول رد فعل منها، وصفت فرانشيسكا ألبانيزي العقوبات بأنها تهدف لإضعاف مهمتها وتقويض استقلالها. وقالت خلال مؤتمر صحفي عقدته في العاصمة السلوفينية “ليوبليانا”:
“سأواصل أداء دوري كما يجب، حتى وإن شكل ذلك تحديًا حقيقيًا”.
وأضافت أن ما تتعرض له يُعد سابقة خطيرة في محاولة للضغط على المقررين الأمميين وثنيهم عن أداء مهامهم بشكل مستقل، خصوصًا في القضايا المرتبطة بالعدالة الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني.
موقف أوروبي غاضب وتحركات محتملة ضد إسرائيل
وفي سياق متصل، كشفت دائرة العمل الخارجي الأوروبي التابعة للاتحاد الأوروبي أنها بصدد دراسة عشرة خيارات لاتخاذ إجراءات دبلوماسية ضد إسرائيل، وذلك بعد أن خلصت مراجعة رسمية إلى وجود مؤشرات على انتهاك إسرائيل لالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان بموجب اتفاقية الشراكة مع الاتحاد.
وبحسب وثيقة رسمية اطلعت عليها وكالة “رويترز”، فإن الإجراءات المحتملة تشمل:
تعليق اتفاقية الشراكة التجارية بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي.
وقف مشروعات تقنية مشتركة.
تشديد المراقبة على صادرات السلاح والمعدات ذات الاستخدام المزدوج.
لكن دبلوماسيين أوروبيين أشاروا إلى عدم وجود توافق سياسي كافٍ حتى الآن لاتخاذ تلك الخطوات، بسبب تباين المواقف بين الدول الأعضاء.
مشهد دولي مضطرب
يأتي كل ذلك في ظل تصاعد الانتقادات الدولية للانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة، واستمرار الحرب المدمرة التي أودت بحياة أكثر من 57 ألف فلسطيني منذ أكتوبر 2023، وسط اتهامات لإسرائيل باستخدام القوة المفرطة وارتكاب جرائم ضد المدنيين.
كما تواجه واشنطن بدورها اتهامات متزايدة بدعم غير مشروط لإسرائيل، وتسييس أدوات العدالة الدولية وحقوق الإنسان، خصوصًا بعد سحب تأشيرات بعض موظفي المحكمة الجنائية الدولية سابقًا، وفرض عقوبات على مسؤولين أمميين ينتقدون سياساتها أو حلفاءها.
وفي ظل هذه التطورات، يرى مراقبون أن القرار الأمريكي قد يفتح باب مواجهة غير مسبوقة بين مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة والولايات المتحدة، خصوصًا مع تمسك المقررة ألبانيزي بمهمتها، ودعوات دولية لحماية استقلالية المنظومة الحقوقية الأممية من الضغوط السياسية.
تحليل:
تشير التطورات الأخيرة إلى اتساع فجوة الثقة بين واشنطن وبعض المؤسسات الدولية، ما قد يؤدي إلى مزيد من التوتر في العلاقات الدبلوماسية، خاصة مع احتمال لجوء الاتحاد الأوروبي إلى خطوات غير تقليدية ضد إسرائيل على خلفية الحرب في غزة.