علاء أبو بكر يكتب: الدولة الناجحة الراشدة
الدولة الناجحة التي تسعى لأن تكون راشدة في ظلال حاكمية الشريعة = لا بد أن تتمتع بصفتين: الاستقرار أي التمكن من الحكم/ والقوة.
الغرب يسعى لعكس ذلك الوضع بأن تكون دولنا ضعيفة وغير مستقرة أو (ممزقة)، فإن لم يقدر فإنه قد يسكت على كون الدولة مستقرة ولكنه يعمل على أن تكون ضعيفة لا تهدد مصالح الغرب خاصة الكيان الصهيوني.
التوزان بين الصفتين (التمكن الداخلي والقوة) مهم، فتغليب جانب الاستقرار والسعي لكسب الجميع قد يؤثر على قوة الدولة ويجعلها إما مخترقة أو تابعة وظيفية، واستعراض القوة التي لا تملكها يؤثر على بقاء الدولة واستقرارها وتمكنها..
ويبقى التحدي الكبير كيف تحافظ على بقاء الدولة وتمكنها وفي نفس الوقت تُراكم القوة دون تنازلات برجماتية نفعية في واقع أنت فيه الأضعف؟
هذه هي معضلة القائد السياسي الذي عليه حلها مستعينا بالله.
وجواب هذا السؤال السابق نتلمسه من سيرة النبي ﷺ وخطته العملية في التمكين لدولة الإسلام .. فالنبي ﷺ أرسى في دولته بالمدينة نموذجًا متوازنًا بين الاستقرار الداخلي والقوة الخارجية، مستندًا إلى قاعدة حاكمية الشريعة بتوظيف حكيم للموارد والإمكانات المتاحة.
ولتحقيق هذا التوازن، استخدم النبي ﷺ استراتيجيات مدروسة تشمل:
1- التمكن الداخلي عبر بناء الوحدة والإصلاح المجتمعي:
بدأ النبي ﷺ ببناء مجتمع متماسك في المدينة من خلال المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وضيق على المنافقين
مما عزز الاستقرار الداخلي، كما وقع ميثاق المدينة (صحيفة المدينة) الذي نظم العلاقة بين المسلمين وغيرهم على أساس العدل واحترام الحقوق دون أن يعطيهم سلطات في نظام الحكم، مما منع الاختراقات الداخلية.
2- إرساء دعائم القوة الاقتصادية للدولة:
النبي ﷺ اعتمد على بناء الاقتصاد الإسلامي وتحرير الأمة من التبعية الاقتصادية لقريش ولليهود بأن يكون للمسلمين سوقهم وسيطر على مورد المياه بالمدينة، وهي بئر كانت ليهودي فاشتراها المسلمون.
3- الاستعداد العسكري وتأمين الدولة:
النبي ﷺ عمل على بناء قوة ردع فعلية، حيث أعد العدة للدفاع عن الدولة وطهر البادية حول المدينة من عدوان بعض القبائل،
وأضعف كذلك الخصم الأكبر (قريش) عبر سلسلة من الغزوات والسرايا.
4- الحلول السياسية مع الأعداء الكبار:
تمثل في صلح الحديبية الذي وفر وقتًا للدولة الإسلامية لتقوية نفسها حين بدأ عودها يشتد لتكون بعدها مؤهلة للتوسع والفتح.
5- الفتح عقب تراكم القوة بصبر وحكمة:
النبي ﷺ ركز على تراكم القوة بالتدريج وجاء فتح مكة نتيجة تراكم سنوات من الإنجازات السياسية والعسكرية التي مكنت المسلمين من تحقيق نصر مبين.
هذه الأهداف الاستراتيجية مهمة ولازمة وتوضح أن الحفاظ على بقاء الدولة وتمكينها مع تراكم القوة دون تقديم تنازلات، يتطلب قيادة واعية تنظر بعيدًا بحكمة وذكاء.