يقول أحد المربين: افتقدنا المحاضن التربوية والاجتماعية، ويقول د. عبد الحي الفرماوي من علماء الأزهر: هناك قيم وأوامر في الإسلام أصبحت محنّطة، أي أنها غير معمول بها في الزمن المعاصر رغم أهميتها القصوى لحياتنا وديننا.
تطالعنا دراسة السيرة النبوية بقيم إسلامية مثل الأخوة، الإيثار، التناصح، التكافل، الحب في الله، التطوع، الاحتساب، إلخ.
وكثيرا من هذه القيم لا تجد لتطبيقها طريقا في المجتمعات المدنية الحديثة، رغم إمكانية ممارسة بعضها من خلال مؤسسات المجتمع الحديثة مثل رابطة زمالة العمل، والجيران والنقابات المهنية، وغيرها من الروابط، غير أن معظمها تكون علاقات قائمة على المصالح المادية مما يكرس مبدأ الفردانية ويكسر الروابط الروحية التي تشيع في مجتمع السيرة النبوية الشريفة، فالعلاقات في المجتمع النبوي قامت على الروابط الروحية في المقام الأول، فكانت لها الأولوية على علاقات المصالح وروابط الدم والنسب، وهذا ما يفتقده المجتمع المعاصر.
هذه الروابط الروحية المفقودة إما أنها تصنع غربة بين دارس السيرة وبين موضوعاتها حيث تبدو بعض روابطها مثالية أو خيالية غير ممكنة التطبيق في العصر الحالي، إما أن ذات الروابط تكون إحدى أهم الأسباب الخفية التي تدفع الأفراد إلى الانتماء إلى التنظيمات الدينية، حيث توفر تلك التنظيمات محاضن اجتماعية بديلة تستقي من السيرة النبوية وقادرة على تلبية أشواق الناس نحو العلاقات الروحية والممارسات الشبيهة التي تجعل المسلم المعاصر كأنه فردا من أفراد مجتمع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان يعيش على هامش هذا المجتمع!
والحقيقة أن تلك المحاضن التربوية المبنية على أساس توجيهات السيرة النبوية تعتبر إحدى مآثر تلك التنظيمات، لولا أن تلك المحاضن ارتبطت داخل تلك التنظيمات بباقي الأنشطة من حركية وسياسية وخلافه، فلا يمكن للمسلم المعاصر أن يمارس تلك الأنشطة الروحية داخل التنظيم إلا من خلال تقديم الولاء التام والطاعة الكاملة لقيادة التنظيم ومن ثم المشاركة في أنشطة قد يكون غير مهيأ للقيام بها، ثم يدفع ثمنا لذلك أثمنة باهظة على المستوى الأمني بشبهة انتمائه إلى تنظيم سري!
وبالنظر إلى أقرب المؤسسات المعاصرة التي يمكنها توفير مثل تلك المحاضن الروحية والتربوية والاجتماعية على منهاج السيرة النبوية، نجدها مؤسسة المسجد المعاصر –مسجد الحي-، فقد آن الأوان أن تقوم مؤسسة المسجد بدورها التربوي والاجتماعي، وتكون هذه المهمة من مسؤوليات إمام المسجد ورفاقه الذين يحيطون به عادة، فلا يكاد يخلو مسجد من جماعة – تزيد وتنقص- بحسب الحال، بينهم تعارف وتآلف وأخوة وصداقة وتفقد وزيارة، تجدهم عادة في الصف الأول خلف الإمام، وهم المداومون على صلاة الجماعة، وأصبح من مسؤوليات تلك الجماعة الصغيرة أن تضم أغلب رواد مسجد الحي – على مستوى صلاة الجمعة مثلا- حيث تشملهم بالتعارف والتآلف والأخوة والحب في الله، والتزاور والتفقد، والتكامل الاجتماعي، وتبادل التهنئة في المسرات والأعياد، والمواساة والمساعدة في الأزمات، والسير في حوائج بعضهم البعض.
إنه مشروع طموح لإقامة وإفشاء العلاقات الروحية في المجتمع المعاصر، مع فرصة ذهبية ليعيش المسلم المعاصر أجواء المجتمع الإسلامي الأول كما ترويه كتب السيرة.
إن إقامة مشروع جماعة مسجد الحي ممكن وسهل التطبيق إذا وجد الإمام النابه المخلص الذي يمكنه أن يبدأ هذا المشروع بدعوة رواد المسجد إلى إفطار عام بالمسجد في شهر رمضان أو في مناسبة دينية اعتاد الناس على صيامها، ومن ثم يطلب من الحضور تبادل التعارف، ويمكن من خلال استخدام تطبيقات التقنية الاشتراك معا في مجموعات التواصل الاجتماعي مما يسهل التفقد والتفاعل.
ويمكن لجماعة مسجد الحي أن تقيم العديد من الأنشطة التي تستوعب الأسرة، مثل حلقات تحفيظ القرآن ومدارسة العلوم الشرعية، ودروس التقوية للتلاميذ، والقيام برحلات بين تربوية وترفيهية وعلمية.