علاء سعد حميده يكتب: وما زالت البنات تلعب بالعرائس!
البنات كن يلعب بالعرائس، بعضهن تخرجن من بين الأنقاض وفي أيديهن دمية عروس، كان ذلك عندما بدأ الحصار الخانق على غزة بعدما انفردت حركة حماس بالسيطرة عليها، البنات وقتها كن في عمر الزهور البرية، تحمل الواحدة منهن نحو عشر سنوات فوق كتفيها، أولئك البنات صرن اليوم أمهات لبنات تخرجن اليوم من بين أنقاض غزة، التي ترزخ تحت قصف صهيوني غاشم خسيس وجبان، وهن تحملن العرائس!
حتى هؤلاء اللواتي ولدن يوم دخلت غزة تحت الحصار المجنون الظالم، يمضين الآن نحو عامهم السادس عشر، أي بتن اليوم على مشارف أمومة محتملة مبكرة، وستلدن بناتا تخرج لنا أيضا من بين الأنقاض تلعبن بالعرائس!
هل يفهم العالم الذي لا ضمير له معنى ذلك؟ هل تفهم أجيالنا الحية المأزومة بالعجز وهي ترى الدمار الفاجع، ولا تملك سوى كلمة ودمعة ووجع القلب والدعاء، ومع العجز عن الفعل القوي الفاعل يتملكهم اليأس أو الاكتئاب أو شتى أنواع المرض النفسي، هل يفهمون مغزى لعب البنات بالعرائس؟
مغزى ذلك أن الزيجات ما زالت تتم في فضاء غزة، رغم الحصار وتحت القصف، تتم الزيجات، وتقام الأعراس والأفراح، ويفرحون ويستبشرون، إنهم يصنعون الحياة تحت الركام، يجددونها، يحرصون على إمدادها بجذور جديدة كل يوم!
وهكذا بالمناسبة تُصنع الحياة، أهل غزة لا يغرسون الفسيلة فحسب وهم على أعتاب الآخرة، كما أوصى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يزرعون الأرض بالبشر أيضا.
هؤلاء لم ييأسوا من الحياة، ولم يقنطوا من النصر القادم مع فجر ما آت لا محالة.
السيدة عائشة رضي الله عنها، زوجة أعظم مجاهد على وجه الأرض، كانت تلعب بدمى العرائس وتسميها: البنات!
صحابة سيدنا رسول الله وهم في أصعب ساعات الحياة وأحرجها ما بين جهاد وانتظار غزو، كانوا يصنعون الحياة، تنجب أسماء بنت أبي بكر عبد الله بن الزبير أول مولود للمهاجرين في المدينة، وعلي بن أبي طالب الفدائي بطل الإسلام يتزوج من فاطمة بنت محمد رضي الله عنها، فينجبان الحسن والحسين، ويتزوج حنظلة غسيل الملائكة قبيل غزوة أحد ثم يرتقي شهيدا في المعركة وهو على جنابة عُرسه، فتغسله الملائكة!
ظل صحابة رسول الله يصنعون الحياة ويمدونها بالبشر وهم يذودون عن حياة رسول الله وعن رسالته السامية الخالدة، وكانت النساء تغنين في الأعراس بوصية رسول الله، يا عائشةُ أَمَا كان معكم لَهْوٌ ؟ فإنَّ الأنصارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ.
ماذا تصنع آلة الحرب الباطشة لمدمني القتل وصناعة الحرائق البشرية، تمدهم الولايات المتحدة بالعدة والعتاد، وتؤيد قرارتهم لإبادة البشر أوربا الغربية بقيادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا؟
لا تصنع تلك الآلة شيئا سوى أنها تحصد أرواح البشر من المدنيين العزل من أهل غزة.
وأهل غزة يزرعون البشر في كل شبر، يصنعون الحياة، ويصنعون الفرح ويصنعون اللعب أيضا.
بعض أهل غزة يصنعون السلاح، وبعضهم يقاوم، وبعضهم يصنع فك الحصار إذ يهبط كقدر الله المتحقق، فوق رؤوس الصهاينة متجاوزا قبتهم الحديدية فيثقبها ويصنع فيها الثغرات، ويعمق تلك الثغرات في النفس الصهيونية الجبانة بالأساس، ومعها يحطم كل صلف الغرب المتكبر، والذي بات يلملم بعض من كرامته المهدورة بإطلاق العنان للصهاينة للوصول بالانتقام إلى أقصى مدى ممكن.
كل هذا واقع ومشهود، ويظل السؤال من ينتج هؤلاء الرجال الذين لا ينفدون رغم أنه شعب الشهداء على مدار عقود، يؤدي فريضة الشهادة عن الأمة كما تؤدي باقي الأمة فريضة الصلاة؟
اللواتي تصنعن الرجال هن هاتيك الصبايا التي تخرجن كل وقت من بين الأنقاض تحملن دمى العرائس.
تحملن بذلك وعد لله المكتوب إلى بني صهيون وإلى العالم أن مصنع الرجال، مصنع الشهداء، ما زال يعمل بكامل طاقته، تحمل كل صبية دمية عروسها، وهي في ذاتها مشروع عروس ستهب الرجال والشهداء ذات يوم، لهذه الأرض المباركة التي لا تموت.
رسالة البنات وهن يحملن عرائسهن من بين الأنقاض لشباب أمتنا وفتياتها، أن لا تيأسوا، ولا تحبطوا، ولا تكتئبوا، وإنما أبشروا وابتهجوا وشاركونا صناعة الحياة.
علاء سعد حميده
عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية