مقالات

على بركات يكتب: الاقتصاد وثلاثية الحرية المدنية والسياسية والسيادة (2)

المعادلة المعاصرة التي تحكم الاقتصاد واتفاقية 1944.

أي تفاعل بشرى في مختبر الحياة الاقتصادية لابد له من شروط حتى تتحقق معه النتيجة الموضوعية المرجوة..

تماماً كالمعادلة الكيميائية التي إذا غاب عنها عنصر جاءت بخلاصه عكسية التوقع،

وكذلك الحال في بناء دعائم الاقتصاد للدول.. في الواقع المعادلة المعاصرة التي تحكم الاقتصاد قُبَيل وبعد الحرب العالمية الثانية غير عادله وتصطدم مع المنطق..

وتحكمها لغة المصالح والاستعلاء، هذا الواقع أفرزه اجتماع دولي دعت إليه الولايات المتحدة الأميركية بحضور أربعه وأربعون دوله في العام 1944 بغية وضع نظام اقتصادي عالمي جديد..

من خلال الاتفاقية التي عُرفت بـ(بريتن وودز).. وهي سياسية الأبعاد بامتياز..

لكنا معنيين هنا بالطرح الاقتصادي الذي استولدته الاتفاقية سالفة الذكر، كالبنك الدولي، ومنظمة التجارة الدولية، وصندوق النقد الدولي..

هذه المخرجات الثلاثة من الزاوية النظرية نشأت لرسم سياسات اقتصاديه نهضوية (تتجنب من خلالها وقوع الأزمات)،

(تكفل) صندوق النقد الدولي بمساعدة الدول المتضررة من الحرب العالمية!

من محددات صندوق النقد الدولي. مراقبة اقتصاد الدول المقترضة

يمكن القول إن صندوق النقد الدولي هو المعنىِ بالنظام النقدي الدولي..

ويتدخل بما له من سطوه اقتصاديه عالمية بالأشراف على عمليات الصرف بين العملات على أساس (الدولار)،

ثمة محدّد من محددات صندوق النقد الدولي وهو (مراقبة اقتصاد الدول التي يمنحها القروض).. وتقديم (المشورة) الاقتصادية لهذه الدول،

هذه المراقبة وهذه المشورة بذاتيتهما أدوات (الفخ الخطير) الذى من خلاله تفقد الدول المَدينة قرارها الاستراتيجي في إدارة اقتصادها المحلى!،

وهنا تصطدم النظرية المركزية المُعلنة لصندوق النقد الدولي مع ممارساته (المطردة إطرادً عكسيًا) على أرض الحقيقة.

المجاعة في ملاوي مثال دامغ للإذعان لسياسة الصندوق.

اضطرت حكومة ملاوي برفع الدعم عن الأسمدة فعجز المزارعون عن شراءها..

ومما زاد الوضع سوءً اضطرار الحكومة بيع مخزونها من القمح لسداد ديونها للصندوق فحدثت في العام 2001 مجاعة ضربت أرجاء (ملاوي)..

نتيجة البرنامج الذي أملاه صندوق النقد الدولي على حكومة ملاوي، في الأرجنتين مثال آخر حمل مآلات اقتصاديه واجتماعية مدمرة..

خلف ملايين من العاطلين عن العمل وارتفاع مرعب للفقر.. وانهيار اقتصادي أدى بالتبعية لعجز سداد الديون، نتيجة التعاطي المشروط مع صندوق النقد الدولي!

السلوك المعقد للصندوق وحقيقة نشأته السياسية.

غالب التعاملات سواء مع البنك الدولي أو الصندوق.. تجعل الدائنين له يدورون كالصواري في فلكه.. كما أثبتت التجارب أنه أداة استعماريه (وسندلل على ذلك لاحقًا)،

ونشأته سياسية ذات غلاف اقتصادي.. وهذا جلى من خلال التركيبة الإدارية له، والتي تُفسر السلوك المعقد للصندوق..

فعدد أعضاء صندوق النقد الدولي ومقره في واشنطن 189 عضو.. به مجلس تنفيذي يتكون من 24 مديرًا.. (ثمانية منهم ثابتون)

يمثلون ثمانية دول مركزيه (أميركا، اليابان، المانيا، بريطانيا الصين، فرنسا، المملكة السعودية، وروسيا) وبقية الأعضاء يأتون بالانتخابات،

ومجلس المحافظين البالغ عددهم نفس عدد الدول الأعضاء.. يستوجب تصويت 85 بالمائة من الأعضاء الممثلين للدول لإصدار أي قرار، ومن شواهد السلوك المعقد لصندوق البنك الدولي..

أن قراراته مرهونة بقرارات الدول الصناعية السبع الكبرى (اليابان، المانيا، كندا، فرنسا، أميركا، بريطانيا، وإيطاليا) الذين يمتلكون خمسون بالمائة من الحصص..،

ويزداد الأمر سوءً عند استخدام أميركا (حق الفيتو الأميركي) بصفتها العضو الذي يمتلك أكبر حصة في صندوق النقد الدولي تقترب من حاجز السبعة عشر بالمائة،

وهذه المعضلة يترتب عليها الكثير من المآخذ وتعطى المساحة الرحبة التي تستغلها الولايات المتحدة الأميركية سياسيًا بفرض التعامل بالدولار على الدول المُقترضة..

أو إملاء شروط ما، تجعلها تقع تحت قبة هيمنه البيت الأبيض الأمريكي!

في الجزء الثالث بمشيئة الله، سنزيد من التفصيلات بعد هذه المقدمة التي ما كان للحديث عن الاقتصاد أن يستقيم دون التنويه عنها.

علي بركات

كاتب وصحفي بالنمسا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights