على بركات يكتب: الاقتصاد وثلاثية.. الحرية المدنية والسياسية والسيادة (3)
عندما تتجاوز الفكرة حدود العبقرية.. تدخل بالمسمى القيمي الذي هو أساس الشيء وهى مشحونة بالتضادات لظاهر طرحها الفكري التي ستعمق العمل عليها.. كما تحمل في مركزية وعيها منطلقها المُستتر«أن السيطرة على العرش أفضل من الجلوس عليه‘»، نرى هذا جلي في كل المؤسسات التي أتت فور (الثورة الفرنسية) وبعد الحربين العالميتين.. وما سيتمخض لاحقًا من مخرجات بعد (مسلسل كورونا) الذي تجاوز الأربعة أعوام. وعندما يفتقر المرء للمعين الذي ينبني عليه الحكم على الأشياء.. الذي هو (أي الحكم) فرعُ من تصورها، تتخاصم معه النتائج.. وتستدرجه المآلات ومَن برِبقته إلى حتمية الانزلاق في وِهاد السقوط، وفى حالة النزوع إلى الفردية في التشوف وتصنيع القرار من منطلقه الأُحادي.. تتفاقم الخسائر، وبالسكوت عنه تتراكم التكلفة ويصبح معه تصحيح المسار باهظ الأثمان، والتاريخ، القديم منه والحديث.. مُفعم بالحقائق التي تشبه فى سردها ميثولوجيا العصر السحيق.
كيف تسقط قيمة العملة في دولةٍ ما؟
هذا السؤال يستدعيه الحال في بعض الأقطار العربية.. وليكن المثال هنا مصر والعراق والجزائر وتونس ولبنان، في الواقع ثمة عوامل عده تساهم في سحق القيمة لأي عمله.. منها الاستدانة المستمرة، تراجع الإنتاجية المحلية، وعلى الرأس منها عامل( التضخم ) التراكمي الذي ينشأ أساسًا نتيجة العوامل آنفة ولاحقة الذكر، كل هذه العوامل مجتمعه في الأقطار العربية سالفة الذكر، لكن هذه الوضعية تسحبنا لعوامل أخرى ساهمت في تدهور الحالة الاقتصادية.. كحكم الفرد، واستحواذ فئة قليله على مقاليد الاقتصاد والتشريع، عدم الاستقرار السياسي، وتقييد القرار السيادي الذي يجمد الإرادة، أو الدور الوظيفي التي تفرضه عماله النُظم..وهذا العامل الغالب أو العامل المُشترك بين كل العوامل التي تسحق منظومة الاقتصاد.
هناك العديد من خبراء الاقتصاد الذين فسروا أسباب وكيفية حدوث التضخم الذي يؤدى فى النهايه إلى تراجع سعر صرف العملة المحلية..وزيادة في الأسعار تتناسب طرديًا مع حجم التضخم، ويُعَد (ميلتون فريدمان) صاحب أكبر وأوضح إنتاج بحثي في مسألة (التضخم)، وخلاصة ما ذهب إليه.. أن نسبة زيادة السيولة (بعد النفقات) عن الإنتاج المحلى لبلدٍ ما.. ينتج عنه نسبة التضخم، بمعنى آخر مُعدل السيولة (بعد النفقات) منقوص منها الناتج المحلى.. يساوى (حجم التضخم)، فإذا كان حجم التضخم لدولةٍ ما خمسه بالمائة.. فقدت العملة المحلية لهذه البلد (خمسة بالمائة) مقابل دوله أخرى معدل التضخم بها (صفر بالمائة).. وتفقد العملة المحلية ( أربعة بالمائة) مقابل دوله أخرى معدل التضخم بها (واحد بالمائة).
مصر وعقود من الاستدانة منذ عهد السادات.
مصر مثال دامغ لهذا المثال الذي خَلُصَت إليه الدراسة البحثية للأميركي (ملتون فريدمان)، فمنذ عقود ومصر تتعامل بالاستدانة مع البنك الدولي منذ عهد السادات، والاستدانة المتتالية في بلد كمصر ترفع من نسبة السيولة التي لا يقابلها إنتاجيه محليه تتماهى مع حجم السيولة، ولا يقابلها تدبير اقتصادي لاستثمار السيولة (القروض) في مشاريع إنتاجيه تأتى بعوائد تعالج التدهور الاقتصادي الدافع الأوّليِ إلى الاستدانة!.
مراحل تراجع الاقتصاد المصري بعد الانتقال من الملكية إلى الجمهورية.
بنظره تتبعيه لمراحل الخط البياني للاقتصاد المصري صعودًا وهبوطًا ومنذ انتقال مصر من الملكيه الى الجمهوريه والمؤشر الاقتصادي في تراجع ملحوظ نحو الهبوط، النظام السياسي الذى حكم منذ 1952 جاء بمفردات لبناء دولته الجديده بعيده كل البعد عن الموضوعيه الحديثة لبناء كيان اقتصاد حقيقي، مارس العنتريات الحنجورية وكثّف نشاطه في توطيد حكم الشلليه.. على حساب تمكين الكفاءات التي تمتلك الرؤى للنهوض بالاقتصاد.. وحصار العمل السياسي في فئته المصطفاة التي كان لسان حالها ينطق بقولة،ما أريكم إلا ما أرى،.. فازداد الوضع الاقتصادي سوءًا فوق سوء.. وورّث آلية الحكم عبر مراحله السلطوية.. فكانت نتيجته في السنوات الأخيرة، إن تراجعت معها الحريات السياسية والمدنية التي تشكل أعنف المعوقات تأثيرًا على الازدهار الاقتصادي، فمصر منذ 2014 حتى كتابة هذه السطور تأتيها المليارات من المساعدات.. وتقترض المليارات من البنك الدولي ومن دول الاتحاد الأوروبي، وبالرغم من هذا الكم الهائل من السيولة النقدية..لم يُلاحظ أي ازدهار ولو نسبى طفيف..بل تراجعت العملة المحلية (الجنيه) مقابل الدولار تراجعًا مرعبًا..وفاق (التضخم الحالي)الثلاثون عام السابقة لحكم (نظام القاهرة الراهن).. وهذا يعود لسببين رئيسيين أحدها اقتصادي وهو إستاتيكية الحركة الإنتاجية (الإستاتيكية عكس الديناميكية، وتشير للجمود!) مقابل الزياده فى السيولة.. والآخر سياسي وهو التكثيف على حرب الداخل من الخصوم السياسيين..مما أبعد التخطيط المركزي للنهوض بالاقتصاد واستثمار السيولة بشكل أفضل، وفى هذا الصدد يقول الباحث البروفيسور الأميركي (ميلتون فريدمان) في كتابة (الرأسمالية والحرية) «أن المساعدة الخارجية لا تفيد بدون تخطيط مركزي، والتخطيط المركزي لا يؤتى ثماره بدون حرية اقتصادية وحرية سياسيه والبعد الثالث الحرية المدنية».
هناك الكثير من التفاصيل عن الحالة المصرية كمثال وغيرها من الأقطار العربية، وعن الاقتصاد المُلحق باقتصاديات أخرى، وبيع أصول الدولة، وخطورة سيطرة رأس المال للوصول للحكم فى الجزء الرابع بمشيئة الله.
السادس عشر من ذي الحجة 1444
الرابع من يوليو 2023