على بركات يكتب: حازم أبو اسماعيل.. فارس السياسة الغائب
حازم أبو اسماعيل ذلك الفارس العبقري، كان يعي بفراسته أن قمع المعرفة المُمنهج أخرج كتائب من متصوفي الجهل، أدمنت اعتزال البحث، هامت برأسها في وُحُوُلُ التيه واللغو، فسمعت بغير سمعها، ورأت بغير ناظريها، وتناست حرف الهجاء المقدس، فاستعارت لسان غير لسانها، حتى البديهيات المسلمات هربت من أطرافها وخِماصُها، فشق عليها الاستنباط وحار معها الحدس.
العلاقة العكسية للمعارضة المصرية
تعيش المعارضة المصرية في الخارج حاله من الصراع بين رؤوس المعارضة ذاتها ومؤيديها، هذه الحالة من الصراع ليست وليدة التغيرات السياسية الإقليمية وحسب، وإن كانت قد أسخنتها، بل، متجذره، لاختلاف الرُؤى والبناء الأيديولوجي لجميع أطرافها، ولهذا لا تتحد آليات التغيير لديهم كعمل نهائي، ثم يأتي عامل آخر وهو الاختراق الأمني!، ويظل العامل الأهم أن هؤلاء المعارضين هم ابتداءً معارضون لأنفسهم كأحزاب منذ نشأتهم الأولى.!
الاستشراف لدى أبو اسماعيل
حازم أبو سماعيل ألمفوه، من القلائل الذين يمتلكون الرزانة والكياسة والفطنة، لترويض الحالة المصرية ، بما يحمل معه من إرث سياسي وفكري وعقائدي وخبره تفوق نظراءه في العمل السياسي، يسمح له بفك المعقود وإحلال المفقود، ثمة دلالات من أرض الواقع شاهده على تقييم فارس السياسة أبو اسماعيل، بأنه اللائق بامتياز، يكفى بالمرء أن يعود إلى الوراء حيث أيام، الثورة، وما قبلها، وما تلاها، فهو الذى لم يخدعه بيان المجلس العسكري يوم تنحي مبارك، وإسناد حكم البلاد للجيش، ونادى في الجمع الثائر وقتئذ أن لا يتركوا الميادين ، وأدرك بحدسه أن ثمة لعبه إقليميه من هذا البيان تلوح في الأفق، مرماها الضمني امتصاص الغضبة الشعبية حتى لا تطور الأحداث في اتجاه ثوره عارمه.
كان أبو اسماعيل يعي جيداً، أن المجلس العسكري المصري شأنه شأن المجالس العسكرية في المنطقة، يتحرك بأوامر خارجية، وأن دوره، الإقليمي، الوظيفي، مقدم على دوره (الوطني)، وأن الجيوش والسلطات التنفيذية، ذرية بعضها من بعض! هذا من ذاك وذاك من تلك، لم يكن أبو اسماعيل يسعى للريادة بقدر سعيه للنصح والإرشاد المبنى على علم السياسة بعيدًا عن البرجماتية (برغم علمه بها)، فتارة ينوه تصريحاً واخرى تلميحاً، ,أبو اسماعيل، أول من أدرك خطورة وزير الدفاع آنذاك، وحذر من خطابه العاطفي المُبطن بالتخويف من مسرحية، الإرهاب.!
المشهد السياسي ورؤية أبو إسماعيل
لم يدرك أحداً في المشهد السياسي وقتئذ متطلبات الدولة المصرية بحرفية كما أدركها أبو إسماعيل، وبرنامجه الانتخابي خير شاهد، ولقاءاته مع أقرانه على الفضائيات العربية أوضح دليل، شهد له القاصي والداني، حتى المختلفون معه أقروا بنضجه وحجته، وبقدرة إعجازه لمحاوريه، وبنفس القدر كان تواضعه يتقطر من جبينه ولسانه.
حذر أبو إسماعيل من القوى الاقليمية التي تتربص بالأمه، وتتحكم في جغرافيا البلاد ومقدراتها، وكيف أنها لا تسمح لأصحاب الأرض، بحق التصرف في الأرض، وكأنه حق انتفاع، وبين أبو اسماعيل أن الموارد الطبيعية على أرض الكنانة تُدار من الخارج وأن مراحل التصنيع لا تتم وفق الإرادة المحلية.!
التربص الإقليمي والمحلى لأبو إسماعيل
أحس الجمع، المعارض المحلى والإقليمي، أن أبو إسماعيل طويل الباع يعرف الداء، وجرئ في عرضه للدواء، فأدركوا خطورة بيانه السياسي، ولما كان أبو اسماعيل طاهر الثوب، عصى على الشراء والاستدراج، لبِسوا له جلد النمر، بعد أن رفض حجب السيادة (الوطنية) خلف المجلس العسكري المصري، وبعد أن نوه في أكثر من لقاء مباشر وجوب السعي استبدال المؤسسات الاقتصادية والقانونية والاعلامية والأمنية الراهنة التي خلفها الاستعمار، بمؤسسات وطنيه بديله، ولهذا دبروا له مسرحية هزليه أن والدته أمريكية الجنسية، فتم استبعاده عن ممارسة حقه في الترشح لرئاسة مصر الكنان.!
الوعي والسلطة
مما لا شك فيه أن امتلاك السلطة يسبقه الوعى، والتحرر وتقرير المصير يأتيان بامتلاك السلطة وحرية اختيار الرعية لولى الأمر، أكاد أجزم جزماً يبلغ مبلغ التواتر، أن غالب المعارضة المصرية لا تعي هذا في حركتها على الأرض، والذى يعي، لا يمتلك حيلة الربط، أو مرهون بالدوران في (فلك النظام العالمي وتفسيراته)، ليس هذا فقط، بل هم مختلفون عقائديا ًنتيجة المكون الفكري، والمشادات التي حدثت بينهم بُعيد الثورة وانقلابهم على (الديمقراطية)، وانضمام بعضهم (لجبهة الانقاذ) أمثله صارخة للهشاشة، وأن هذه الهشاشة، بمثابة الحبل الذى يشنق الرغبة الحقيقية للتغير، وصيد الثمين للتربص المحلى والإقليمي.
والسؤال الذي ينبغي طرحة، هل تفلح معارضه لا تستطيع قادتها التفرقة بين التصريح والتلميح وبين ما هو ظاهر وما هو ضمني؟ وهل في مُكنتها استحضار الماضي القريب، كي تعي أن الحالة السورية، واليمنية، والليبية، والانقلاب العسكري في مصر ومجزرتي رابعة العدوية والنهضة كلها أحداث ومخرجات حقبة الديموقراطيين؟