أقلام حرة

على بركات يكتب: فلسطين قضية مركزية من منظور آخر (2)

التنسيق الأمني أحد معوقات حركة الداخل الفلسطيني.!

يشعر المرء بقبح المرادفات عندما يعجز عن طرح مُسمّى دقيق بعد بحثٍ مُضنٍ، أو بالمصادفة في الإستراتيجيات ذات الدلالات المنطقية التي تقابل فعل سياسي ما، في ظرف مكانٍ وزمانٍ محددين، فأجدني من فوري أتساءل، لماذا التنسيق الأمني؟ ولماذا السعي له عند كل مناسبة؟ وأَنّ لممثل المسْتَعّمَر الفلسطيني أن يُنسِق أمنياً مع المُستَعَمِر؟ وأَنّ له أن يعتاش منها ويقتات بها في خطابه الإعلامي تبجحاً وتملقاً؟، أرى إجابة الهِررة التي لديهم القدرة على رؤية أشياء تتجاوز حدود رؤيتنا البشرية، لكنها عاجزة عن طرح نموذج منطقي لتأويلها.

اتفاقية مخيم داود واستنتاج غير مُعلن!

إذا ما دققنا النظر وأمعنا التفكير بُعَيد اتفاقية 1979 في حركة الكيان الإسرائيلي على الأرض، عسكرياً وسياسيًا، فَسنَخّلُص إلى استنتاجات غير مُعلَنة بالاتفاقية سالفة الذكر، أن المدني الإسرائيلي له الحق في أن يتحول عسكريًا في مواجهة المدني الفلسطيني، وأن لإسرائيل حرية العدوان بُغية التوسع في المنطقة دون قيدٍ أو شرطٍ من دول الطوق!، يتقدمهم الدولة المُعاهِدة (مصر) ونادي الخمسة الكبار ودول المركز، فقط بالنظر إلى الخريطة الديموغرافية، ومرات العدوان على أهل فلسطين ومقدسات الأمة ستتحقق الرؤية.

النُخَبْ الفكرية والدعوة إلى التطبيع!

وجب الإشارة إلى الأوائل الذين أيدوا قرار التقسيم، ومخرجات القرار 242 من أولئك الذين مارسوا العمل السياسي، أمانة التاريخ تقتضى الكشف عمَّن دعوا إلى التطبيع واشتغلوا لأجله من النُخب الفكرية والأدبية، يتقدمهم قامات مؤثره في النسيج الثقافي العربي بشده،  مثال توفيق الحكيم، وحامل نوبل في الأدب نجيب محفوظ الذي خان المعلومة والتاريخ والمعرفة وضمير الكلمة وغالىَ في تملق وتأييد النظام السياسي الحاكم وقتئذ، وقد تجلى هذا في حوارٍ أعده (صلاح عيسى) تحت عنوان (نجيب محفوظ يحاور 7 أدباء معارضين ومؤيداً واحداً) هو ثروت أباظة، والستة الآخرون هم سليمان فياض، د عبد المحسن طه بدر، جمال الغيطاني، جميل عطية، ولطفي الخولي الذي بدأ مُعارضًا وانتهى مؤيداً للتطبيع، نُشر الحوار في جريدة الوطن الكويتية على حلقات عده من 26 فبراير 1980 إلى 26 مايو من نفس السنة لمن أراد مراجعة تفصيلاته، يكفينا هنا سرد بعض أُطروحات نجيب محفوظ المعبرة عن رؤيته (أن الإسرائيليين يفتقدون للأمان نتيجة وجودهم في جو عدائي واضطهادهم الطويل، وأن تطبيع العلاقات سوف يزيل هذا الشعور ويسمح بالتالي بمزيد من التفاهم والتبادل حول الموضوعات المختلف عليها بين الدولتين، لقد حاولنا تغيير الواقع فدخلنا كل الحروب والمخيف أن خسارتنا في محاولة تغييره أفدح مما لو تركناه كما هو).!

نجيب محفوظ وتغيير المناهج التعليمية!

الجدير بالذكر أن نجيب محفوظ قد نادى بتغيير المناهج التعليمية لتواكب التطبيع، وكم كان هذا المطلب من الخطورة بمكان، ليس فقط من ناحية إحداث الخلل في البناء الفكري المجتمعي، بل لأنه صادر عن شخصيه سامقة في الوسط الفني والأدبي غير هامشيه.

المراكز والمؤسسات الكبرى التي لعبت في المنطقة!

في واقع الأمر، أن مؤسسات كبرى كانت لها السبق في مجال الدراسات الخاصة بالمنطقة العربية، ومن أهمها مؤسسة (روكفلير) التي تعمل منذ الحرب العالمية الثانية، ومؤسسة (راند)التي برز نشاطها منذ السبعينات في مجال الدراسات الفلسطينية على وجه الخصوص والإسلامية عامة، معهد (أونلدانجمان)، المركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة ويُعَدّ أحد أخطر المخرجات لمعاهدة السادات في مصر والوطن العربي، الذي أنشأه الكيان الإسرائيلي سنة 1982 والذي قام بدور مرعب في تزييف الوعي المصري والعربي.

أبحاث ودراسات تتبين خطورتها من عناوينها!

ساهم المركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة في إنجاز العديد من البحوث منها، الأصول العرقية للمجتمع المصري، كيفية تفتيت مصر طائفياً، وظهر هذا جلياً إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 في إرباك الداخل المصري، تأثير الإسلام في العقل العربي، قضايا التعليم والزراعة واستصلاح الأراضي، حياة البدو والبربر وكيفية السيطرة عليهم، كما قامت إسرائيل من خلال المركز الثقافي الأمريكي ببعض البحوث الخطيرة في مصر بواسطة اليهودي الأمريكي الصهيوني (ليونارد بانيدو)، هذه الأبحاث تدور حول رؤى الصراع العربي الصهيوني، بدو مرسى مطروح، كما قامت المؤسسات الأمريكية الصهيونية ببعض البحوث منها على سبيل المثال، التغيير الاجتماعي في الشرق الأوسط، القومية والقضية الفلسطينية، التنبؤ في الأقليات بالوطن العربي، المجتمع والبناء السياسي في الوطن العربي، العلاقات المدنية العسكرية في الوطن العربي، الفكر السياسي للعمال في مصر، وغيرها، فمن عناوينها يتلمس المرء خطورتها، والواقع الراهن يؤيد بشده كيف أن هذه الدراسات تحولت إلى خطط (لهدم البنية الاجتماعية واستهداف بناء الفرد العربي لما يخدم الوجود الإسرائيلي) ويقيد أي مشروع نهضوي تحرري في المنطقة، والمشهد في اليمن وسوريا وغيرهم خير شاهد ومثال صارخ.!

إسرائيل ونسيج النظام العالمي!

الأمر معقد، من حيث نشأت الكيان الإسرائيلي الذي جاء (كما أسلفنا في مواضع عدة) ضمن سياقات وترتيبات ولادة النظام العالمي الذي برز عقب الحرب العالمية الثانية، ضمن نسيجه، كما أن دول الطوق المطوقة لإسرائيل تحكمها نُظم صُنِعَت أيضاً ضمن هذا النسيج، مصر بنظامها العسكري، سوريا بنظامها العلوي، لبنان ذات الخليط السني الشيعي المسيحي، الأردن بملكها أب عربي وأم بريطانية.

هل تساهم إسرائيل في إحياء القضية الفلسطينية!

رغم كل ما سبق من سرد، تساهم إسرائيل بدون قصدٍ منها من حين لآخر في إحياء القضية الفلسطينية وإحياء التعاطف الإنساني معها محلياً وإقليمياً، وتوقدها من جديد كلما خبئت، بعدوانها على مقدسات المسلمين في فلسطين، وتخسر سياسياً رغم الدمار البنيوي التي تحققه من آن لآخر، كما تساهم في إبراز القضية من جديد للأجيال الجديدة التي تسعى إسرائيل لشطب ذاكرتها وغسل أدمغتها، فالتجارب العسكرية الحديثة أثبتت، أن التفوق التقني العسكري الذي يفتقر الإيمان يفقد أسباب النصر، وثمة ميكانزمات عسكريه لا تعتمد على الآلة العسكرية بقدر إيمانها بعدالة قضيتها ولا تهن، حتى لو اجتمعت عليها كل الأمم، والأمثلة دامغة في هذا الصدد، مثالاً لا حصراً، الحرب على أفغانستان، المقاومة العراقية التي تشكلت إبان الغزو الأمريكي على العراق، وكذلك حرب فيتنام ومقاومة الأمريكان، المقاومة في فلسطين وعملية طوفان الأقصى الدائرة الآن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى