في مشهد يعكس انهيارًا كاملًا للأوضاع الإنسانية، أطلقت وكالات تابعة للأمم المتحدة تحذيرًا صارخًا، معلنة أن قطاع غزة بات على أعتاب مجاعة شاملة. التحذير، الذي صدر في نهاية يوليو 2025، لم يكن مجرد تقرير دوري عن الأوضاع، بل دقّ ناقوس الخطر بصوت مرتفع أمام العالم بأسره،
مؤكدًا أن ما يحدث في غزة “كارثة من صنع الإنسان”، وأن الجوع لم يعد احتمالًا، بل واقعًا قاتمًا يعيشه الفلسطينيون لحظة بلحظة.
جاء التحذير من منظمات أممية على رأسها برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسف، التي أكدت في تقرير مشترك أن ربع سكان القطاع تقريبًا – نحو 495 ألف إنسان – يعيشون الآن في المرحلة الخامسة من انعدام الأمن الغذائي،
وهي أعلى مرحلة على مقياس التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، وتُعرف بمرحلة “الكارثة” أو “المجاعة”. هذا التصنيف يعني بوضوح أن الموت جوعًا قد بدأ بالفعل في أرجاء القطاع المحاصر.
الوضع الإنساني الذي وصفته الأمم المتحدة بـ”المرعب” يعود إلى عدة أسباب متداخلة، أبرزها الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أشهر، والذي اشتد في ظل الحرب الأخيرة على غزة.
فقد أدت العمليات العسكرية إلى تدمير واسع للبنية التحتية، وإلى تقطع سبل الإمداد الغذائي، بالإضافة إلى نزوح جماعي لآلاف الأسر نحو مناطق مدمرة وغير صالحة للسكن أو الزراعة.
هذا بجانب القيود المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية، والتي وصفتها جهات إغاثية بأنها “تجويع متعمد للشعب الفلسطيني”.
في المقابلات والتقارير الميدانية، سرد العاملون في المجال الإنساني شهادات صادمة عن الوضع الحالي. موظفون من الهلال الأحمر ومجتمعات محلية أبلغوا عن انتشار مظاهر الجوع الحاد، حيث لوحظت حالات إغماء بين الأطفال نتيجة سوء التغذية.
كما شوهدت عائلات تلجأ لأكل الحشائش وأوراق الأشجار، في مشهد يعيد إلى الأذهان صور المجاعات الكبرى التي شهدها العالم في الماضي. مستشفيات غزة، التي تعاني أصلاً من نقص فادح في الدواء والمعدات، لم تعد قادرة على استقبال أو معالجة الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد.
المجتمع الدولي لم يقف صامتًا بالكامل، حيث أعلنت بعض الدول مثل فرنسا وبلجيكا نيتها تنظيم عمليات إسقاط جوي للمساعدات الغذائية والدوائية، محذرة من أن استمرار الحصار دون تدخل دولي عاجل قد يؤدي إلى كارثة بشرية تفوق التصور. لكن في المقابل، يرى مراقبون أن التحركات الحالية ما زالت دون المستوى المطلوب، في ظل تسارع وتيرة الانهيار داخل القطاع.
التحذير الأبرز جاء من مارتن غريفيثس، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، الذي قال في مؤتمر صحفي بجنيف: “المجاعة في غزة لم تعد مجرد تحذير.. إنها الآن واقعٌ نعيشه. كل ساعة تمر تعني مزيدًا من الأرواح تُزهق”. هذا التصريح يعكس عمق الأزمة، ويشير إلى أن الوضع تجاوز كل الخطوط الحمراء، وأصبح يهدد وجود شعب بأكمله.
في ضوء هذا التصعيد، تتعالى الأصوات المنادية بوقف فوري لإطلاق النار، وفتح ممرات إنسانية دائمة وآمنة، والسماح الفوري بدخول المساعدات دون أي شروط سياسية أو أمنية. فالموت جوعًا لا ينتظر التسويات، ولا يعترف بالحدود، ولا يفرق بين طفل ومقاتل.
يبقى السؤال الذي يطرحه كثيرون اليوم: كم عدد الضحايا الذين يجب أن يموتوا قبل أن يتحرك الضمير الدولي حقًا؟
في غزة، الزمن لم يعد يُقاس بالأيام.. بل بعدد الأرواح التي تسقط كل ساعة.