علي الديناري يكتب: عظمة النبي صلى الله عليه وسلم في غضبه (خطبة جمعة)
نحن اليوم مع جانب من جوانب عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم وجوانب شخصيته صلى الله عليه وسلم كلها عظيمة لذا فسنختار جانب نحتاجه نحن في الظروف فنجن في هذه الظروف كلنا غاضبون لا أحد يتحمل كلمة من أحد وتسبب الغضب في كثرة الطلاق
إذن نحن في حاجة إلى الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في غضبه
إن الاقتداء بالنبي في غضبه علامة على حبه عليه الصلاة والسلام فليس حبه بمجرد المشاعر ولا الحب الذي يخلو من التعظيم فحب النبي حب مخصوص فهو حب معه تعظيم وهيبة تمنع من مخالفة أوامره فهو ليس كحب الصديق ولا حب القرين ولا القريب … لا إنه حب معه تعظيم وهيبة وإجلال
فإذا خلا من التعظيم كان حبا لا يليق برسول الله كالذين يغنون فيه الأغاني أو يرقصون طربا على أشعار محبته بينما هم مخالفون لأمره صلى الله عليه وسلم
أما الحب المقترن بالتعظيم فساعة الغضب هي التي يظهر فيها هذا الحب الحقيقي
يظهر الحب الحقيقي عندما يغضب الإنسان ثم يستطيع أن يتذكر شيئا من أوامر الله ورسوله أن يتذكر الخوف من الله أو يتذكر الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ووصيته للرجل الذي استوصاه: يا رسول الله أوصني قال:” لا تغضب” فردد مرارا قال: لا تغضب ) ثم يستطيع أن يخالف غضبه فلا يتجاوز حدود الشرع في غضبه
لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغضب فهل غضب رسول الله؟
نعم غضب فهو بشر قال تعالى ( قُلْ إِنَّمَا أَنَّا بَشَرٌ مِثْلُكُم يُوُحَىَ إِلَيَّ)
فهو بشر لكنه مفضل عليهم بالوحي إليه .. بشر لكنه أكمل البشر وأحسنهم خلقا
لذا فقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم
فتعالوا بنا نتأمل أمثلة على غضبه ثم نتعلم منها
ـ غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم
عندما قتل خالد رجلا شهد أن لا إله إلا الله
إذن غلى دم رسول الله كما نقول نحن فار دمه
لكن لماذا غضب؟
غضب لأن نفسا قتلت بغير حق
وماذا فعل عندما غضب؟
هل ضرب خالد هل شتمه؟
كلا وإنما تبرأ من عمله وبين صلى الله عليه وسلم بغضبه هذا خطأ ما فعله خالد
ـ غضب عندما أراد أسامة بن زيد أن يشفع في المخزومية التي سرقت فقد سرقت امرأة من قبيلة كبيرة شريفة من علية القوم وهذه مشكلة هل سيقطع النبي يدها فيلحق العار هذه القبيلة؟
ماذا يفعلون؟
كلموا أسامة بن زيد حبيب رسول الله أن يدخل عليه فيكلمه ويشفع عنده لعله يستثنيها فما إن كلمه حتى غضب صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا
لكن ماذا فعل؟
هل ضرب أسامة؟ هل شتمه؟
هل فعل أي أمر يغضب الله؟
هل خرج عن وعيه وشعوره؟
كلا إنما ظل من غضبه يقول: أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟
ثم بين صلى الله عليه وسلم إذ صعد المنبر فقال: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد
لماذا غضب؟
لأنهم يريدون سببا من أسباب هلاك الأمم
وماذا فعل عندما غضب؟
بين سبب غضبه ولم يتركهم هكذا لا يعرفون سبب فضبه كما يفعل كثير من الرجال في بيوتهم
ولم ينس أنه رسول واجبه أن يعلم أمته
غضب عندما رأى نخامة في قبلة المسجد
لكنه كان سريع الفيء والرضا عندما حكت امرأة من الأنصار النخامة ووضعت مكانها طيبا فأثنى على فعلها هذا وقال: هذا حسن
لكن لم يغضب
عندما كان يدخل بيته فيسأل: هل عندكم إدام؟
فيقولون: لا
فماذا يفعل يغضب ويثور ويسب ويلعن؟
بل: قال إني إذن صائم
قالوا مرة عندنا خل
قال نعم الإدام الخل
قال العلماء إنما قال ذلك ليشكر الموجود من النعمة.
وقال آخرون بل كان خل تفاح وهم من أجود الأطعمة
ولا غضب عندما رفع عليه أعرابي صوته : يا محمد أد ديني فإنكم يا بنو عبد المطلب قوم مطل
فلما هم به عمر رضي الله عنه قال: لا يا عمر بل كان أولى بك أن تأمره بحسن الطلب وتأمرني بحسن الأداء
إذن غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب أمور لا يغضب لها كثير منا للأسف وهي عندما تنتهك حرمة من حرمات الله .. عندما يرى منكرا .. عندما يرى ما يغضب الله
ولم يغضب لأمور أكثرنا لا يتحرك غضبه إلا من أجلها وهي الغضب للنفس وشفاء الغل والانتقام للنفس
نغضب نحن إذا تأخروا علينا في الطعام أو قصروا في خدمتنا لكن لا نغضب من أجل وجود منكر في بيتنا مثل ترك الصلاة
إذن نتعلم من غضب رسول الله:
1ـ أن يغضب المؤمن لله أي إذا رأى ما يغضب الله، وعندما يغضب لله فقد صرف قوة الغضب في مصرفها الصحيح فيقل غضبه لغير الله
قالت عائشة ـ رضي الله عنها: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ خَادِمًا لَهُ قَطُّ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ، إِلَّا كَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ أَيْسَرُهُمَا، حَتَّى يَكُونَ إِثْمًا، فَإِذَا كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ الْإِثْمِ، وَلَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ، حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قال ابن القيم :”وأيُّ دينٍ، وأيُّ خيرٍ؛ في مَن يَرى مَحارمَ الله تُنتهَك، وحدودَه تُضاع، ودينَه يُترك، وسُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغب عنها! وهو باردُ القلب، ساكتُ اللسان، شيطانٌ أخرس؟!
2ـ لا يغضب لنفسه ولا لينتقم لنفسه إلا إذا كان صاحب حق فهو مخير بين رد الإساءة بمثلها ولا يزيد وبين العفو
3 ـ إذا غضب لا يتجاوز الشرع فلا يظلم ولا يبغي ولا يسب ولا يشتم بشتائم لا تجوز شرعا
3 ـ قال صلى الله عليه وسلم:” لا يقضي القاضي حين يقضي وهو غضبان” .
لماذا؟
لأن الغضب غول العقل
إذا حضر الغضب غاب العقل لا يتوفر العقل اللازم للحكم عند الغضب فسيكون الحكم بغير عقل متوفر
ولذا قالوا لا يتخذ الإنسان قرارا وهو غضبان مثل قرار الطلاق يغضب الرجل فيتلفظ بالطلاق فبسبب هذه الكلمة في لحظة غضب خربت بيوت وتشردت أبناء وضاعت نساء وانتهت علاقات منذ فترة طويلة
يا جماعة نصبر ولا نتكلم ولا نتحاور أثناء الغضب
يقول الزوج أنا معذور فأنا أبذل كل جهدي من أجل توفير مصاريف البيت ولكن هذا كل ما أقدر عليه والحال واقف
وتقول الزوجة انا معذورة المصاريف لا تكفي
إذن الزوجة تلتمس لزوجها العذر وهو أيضا يلتمس لها العذر ونفكر مع بعض ما هي الحلول وكيف نتصرف لا أن يتحمل واحد منا ولا يرمي واحد الحمل على الآخر
تالله ما ضاقت بلاد بأهلها … ولكن أخلاق الرجال تضيق
ولا يضرب الإنسان ابنه هو غضبان
والأفضل عند الغضب أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم
استب رجلان عند رسول الله فجعل أحدهما تنتفخ أوداجه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أعرف كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد فقالوا ما هي يا رسول الله قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) رواه مسلم……
وكان بعض السلف يتوضأ إذا غضب ويقولون إن الغضب من الشيطان والشيطان من نار والماء يطفئ النار
وكانوا يستحبون أن يغير الرجل من هيأته فسيدنا علي كان يخرج من البيت إذا حدث بينه وبين فاطمة شيء وقالوا إذا كان واقفا جلس أو جالسا اتكأ.