علي بركات يكتب: سوريا.. السؤال المهم، وماذا بعد؟
التدفق الذاتي والحركة الكونية في تسيير الأمور.
إنها الحياة الدنيا وحركتها في تسيير الأمور.. تتدفق بالدفع الذاتي، سواء دفعًا يحمل السوء في جنباته والحَنَق الدفين أو بِر العارفين، تُمّهل و”كأنها” تُعطي الضوء الأخضر.. ولا تُهمل ساعة القصاص وإن تمرغت النفس في قيئها.. تُمطر بعواقب من جنس العمل.. فالتدفق الذاتي للدفع “بالقد والقديد” و”الحد والحديد”.. تتفجر عنه نتائج من نفس الرحم الخبيث بذات القسوة، وفي المقابل حركة الدفع الذاتي التي لا تسلبها مغريات النعيم العابر الذاهب.. تنسج على منوالها بحسب القاعدة الكونية ” لا يصادمها”.. ولو بعد حين.
الفرقاء اللاعبين في المشهد السوري.
في الواقع سقوط الطاغية لم يكن من المباغتات، بل من التوقعات التي أشرنا إليها في عدة مقالات نُشِرت في أكثر من جريدة، على سبيل المثال مقالتنا “شبق استنزاف الدم السني لجوقة الأسد وحتمية النهاية القدرية، قريبًا هروب بشار الأسد واختفاء ظاهرة نارام سرجون، انتفض المعتوه قائلاً اسألوا ما شئتم فإن البعث ديني وربي بشار الأسد”.. فمراحل الثورة منذ اندلاعها في مارس آذار ٢٠١١ غنية بشواهد السقوط بقوة الدفع الذات كما أسلفنا في صدر المقال.. إلا أنه كما عودتنا أدبيات التاريخ وفق حركة الفطرة الكونية التي يلعب فيها المد والتراخي دورًا محوريًا في صناعة الهمم واكتساب خبرات تثقل النفس في إدارة الصراع بين الفئة الأجود الانفع.. والبائقة السيئة، ونُعني بالفئه الانفع هنا الجماعات الثورية التي أفرزتها حالة الصراع.. وبين البائقة الدخيلة التي سلمها الهارب بشار مصير سوريا.. والمتمثلة في الفرقاء إيران، روسيا، إسرائيل، وحلف الناتو التي مثلته أميركا لخلق توازن وجودي نظرًا لدخول روسيا الصراع بجانب الأسد.. ولمصالح تتعلق بالجانبين الروسي الأميركي والإيراني على وجه الخصوص.. وقد فصلنا في هذه المسألة عام ٢٠١٢ في مقالة تحت عنوان ” ما وراء الموقف الروسي الإيراني من الثورة السورية” تفصيلاً دقيقًا، ولا نغفل الجانب التركي فهو الوحيد المتوازن من بين الفرقاء التي اضطرته الاستراتيجية الأمنية لتركيا وسوريا “معًا” للوجود على الأرض.. ولولا الوجود التركي “بعيدًا عن الآلة الإعلامية المغرضة” لتغيرت الديمغرافية السورية بعنف ولتكبد اهل السنة تكلفة تاريخية.
مراحل تطور القوى الثورية في سوريا والمعوقات التي اجلت النصر.
ثمة مراحل تتبعيه من ٢٠١١ إلى ٢٠١٥ كان سقوط الأسد فيها قاب قوسين أو أدنى.. فقد بسطت القوى الثورية نفوذها على معظم الجغرافيا السورية.. ووصلت إلى وزير دفاع الجيش البعثي “داود راجحة” واغتالته.. وفعلت نفس الشيئ مع وزير الداخلية |محمد الشعار” ومدير المخابرات “آصف شوكت” في عملية فدائية للجيش الحر، بل واصلت الحركات الثورية الزحف حتى اقتربت من القصر الأموي.. وكان هروب بشار أو التمثيل به على غرار “القذافي” دنو الأنف من العين إذا جاز التعبير، إلى أن تدخل “بوتين” في المشهد السوري.. وتوظيف الأزمة لحسابات “جيو استراتيجية”.. كان أحد اهم أهداف “بوتين” استثمارها كورقة ضغط تفاوضية مع الغرب.. خاصةً مع الأمريكان.. وبالتحديد فيما يخص المسألة الأوكرانية وما ترتب عليها من عقوبات.. حينها كان هناك تفاوض ٢٠١١ بين الروس والاطلسي حول مصير أوكرانيا، فالنظام البعثي كان يتهاوى منذ اندلاع الثورة إلى ٢٠١٥.. بفضل التدخل الروسي استعادت قوات الأسد البعثي ٢٠١٦ “تدمر” وفي ديسمبر كانون الأول من نفس العام استعاد “حلب”، وفي ٢٠١٧ تم كسر حصار “دير الزور” والسيطرة عليها، وبحسب إعلان قائد القوات العسكرية الروسية ٢٠١٧ أن سلاح الجو الروسي قام بأكثر من “سبعين ألف” طلعة جوية لقصف البنية التحتية للحركات المسلحة الثورية.. وتراجعت القوى الثورية وانحصرت مرغمه في الشمال السوري وخاصةً في “ادلب” بعد أن كانت منتشرة على كامل الجغرافيا السورية.. مما أضاف عائق أجل النصر المبتغى آنذاك.
واقعة الشيخ المعارض أحمد الأحد المعارض على الحدود اللبنانية.
لا نغفل إيران وسعيها للعمل على تغيير الديمغرافيا السورية.. بالاستعانة “بحزب الله” الجناح العسكري لها في كلٍ من سوريا ولبنان.. وكان مآسي هذا التدخل ذبح الالاف من أهل السنة.. وهنا تستحضرني أحد المواقف التي حدثت على الحدود السورية اللبنانية.. عندما أوقف الجيش اللبناني المعارض السني الشيخ “أحمد الواحد” عند الحدود طالبين منه الركوع على الأرض.. وعندما رفض بعض تكرار المحاولة منهم له بالركوع.. أعادوه من الطريق.. وفوجئ بوابل من رصاص الجيش اللبناني وهو في طريق العودة، وما كان هذا ليحدث إلا بعد وصول “حزب الله” الموالي لإيران لحكم البلاد، فالشيخ لم ينحني ولم يداهن كما فعل نظرائه أمثال “حسون” و”البوطي” ومن لف لفهم.
كل ما سلف كان يمثل المعوقات الأساسية التي أخرت نصر الثورة السورية.. وإن شئت إرادة الله.. دون الإشارة إلى تفصيلات العجز العربي بكل أنظمته ومؤسساته دون استثناء.. ليس لأنها فشلت في السعي.. لكن نظرًا لانعدام الرغبة والحيلة على حدٍ سواء.
السؤال المركزي وماذا بعد؟.
السؤال المهم والمركزي بعد النصر هو ماذا بعد؟، واجابة السؤال هي التحدي الحقيقي الذي يحدد حجم النصر ويؤكده، وأهم عامل في هذه المسألة هو عامل الوحدة والالتفاف على كلمة سواء في إدارة سوريا.. والتعاطي بحذر شديد ودبلوماسية فائقة مع الغرب.. وتنظيف الداخل السوري من بقايا نفايات نظام البعث المختبئة بين أطياف الشعب ومؤسساته.. سحق الإثنية والمذهبية التي كان يعزف عليها النظام البعثي ويطنطن، فالحمد الله الذي هيئ الظروف للنصر، فالروس كانوا منهمكين في أوكرانيا يعانون العزلة والعقوبات الغربية.. مما دفع “بوتين” بالتركيز على الأولويات التي أرغمته على تكثيف دفاعاته في أوكرانيا عوضًا عن سوريا..، وكذلك انهيار القيادات المؤثرة “لحزب الله” وتوريطهم في الجنوب اللبناني مع الكيان الإسرائيلي.. كما ان إرباك المشهد في إيران كان من المسهلات التي عرت الوهن المتفشي لدى قوات النظام البعثي التي تآكل اقتصاديًا وسياسيًا رغم المحاولات الإقليمية لدمجه بالتواجد ولو على المستوى العربي، بائت كلها بالفشل تحت إصرار أهلنا في سوريا الإطاحة بنظام البعث، كلها أسباب لكنها بالأخير جاءت وفق وعد الله وتدبيرًا منه.. وجاء وعد الله بالنصر.. ويبقى التمكين رهن الوعي الذي ستُدار به المرحلة الآنية والقادمة.