الأحد سبتمبر 29, 2024
بحوث ودراسات

عمر بلقاضي يكتب: أدلة البعث والنشور من كتاب الله سبحانه

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

من أصول العقيدة الإسلامية التي لا يصح إيمان المؤمن من دونها الإيمان بالبعث والنشور يوم القيامة للحساب والجزاء

ومن كان يؤمن حق الإيمان بوجود الله ووحدانيته وأسمائه الحسنى وصفاته العليا

وبان محمدا صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله إلى خلقه بشيرا ونذيرا

وبان القرآن كلام الله تعالى وخطابه إلى خلقه

يجد أن الإيمان بالبعث والحساب والجزاء يوم القيامة بديهة لا تحتاج إلى دليل آخر غير الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسول الله لمعرفة الخبر اليقين.

لكن القرآن الكريم رغم ذلك ناقش قضية البعث والنشور وأقام الأدلة على صحتها حتى تزداد القلوب يقينا واطمئنانا

ومن الأدلة التي أقامها القرآن الكريم على البعث والنشور ما يلي:

أولا: نفي العبث عن فعل الله تعالى

فالله عز وجل خلق الإنسان وفضله بنعمة العقل وسخر له كل شيء وكلفه بوظيفة عبادته وخلافته على الأرض, لكن الكثير من الناس يهملون هذه الوظيفة في حياتهم ويموتون دون حساب

فهل يعني ذلك أنهم نجوا من المحاسبة وتملصوا من المسؤولية على سلوكهم في الحياة؟

الجواب :كلا فالله لا يعبث وحسابهم بعد البعث يوم القيامة

قال عز وجل: {أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ، فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡكَرِيمِ} (المؤمنون: 115 – 116)

وقال تعالى في سورة القيامة: { وَلَٰكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ، أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ، ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ، أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى، أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَىٰ، ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ، فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ، أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ} (القيامة: 36-40)

ثانيا: من خلق الإنسان أول مرة قادر على إعادة خلقه

إن الله قادر على كل شيء وقد خلق الإنسان من العدم وهو قادر على إعادته وإحيائه بعد الموت وهو أهون عليه أي أسهل

قال عز وجل: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ( 33 الأحقاف)

وقال تعالى في سورة يس: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ۚ بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)} ( سور يس)

ثالثا: من علامات البعث إحياء الأرض بعد موتها

الإنسان كائن حي مثل النبات قال تعالى: {وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18)} (سورة نوح)

فنحن نرى النبات يموت ويحي في دورة حياتية قصيرة فترى الأرض جدباء ميتة ثم إذا نزل المطر دبت فيها الحياة وبعثت عليها أنواع النباتات, أما دورة حياة الإنسان فتمتد إلى الآخرة حيث البعث والنشور بعد الموت في الدنيا, وهذه الحقيقة ينبه إليها القرآن الكريم في عدة آيات نذكرها فيما يلي:

يقول عز وجل في سورة الحج {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نشاء إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأرض هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الماء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شيء قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)} (الحج)

وقال تعالى في سورة الأعراف: {وَهُوَ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَقَلَّتۡ سَحَابٗا ثِقَالٗا سُقۡنَٰهُ لِبَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَآءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ كَذَٰلِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ ﴿٥٧﴾}

وفي سورة الروم يقول عز وجل {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ (19)}

وفي الاية 50 من نفس السورة يقول تعالى: {فَانظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50)}

وفي سورة فاطر يقول عز وجل: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ كَذَٰلِكَ النُّشُورُ} (9)

وفي سورة فصلت يقول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۚ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)}

ويقول تعالى في سورة الزخرف: {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ (11)}

قال ابن كثير:

(كثيرا ما يستدل تعالى على المعاد بإحيائه الأرض بعد موتها, فان الأرض تكون ميتة هامدة لا نبات فيها فإذا أرسل الله إليها السحاب يحمل الماء وانزله عليها «اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج» كذلك الأجساد إذا أراد الله بعثها ونشورها) مختصر ابن كثير

وهذا الربط بين إحياء الأرض بعد موتها وإحياء الموتى موجود في السنة أيضا, روى الإمام احمد عن أبي رزين العقيلي قال: قلت يا رسول الله كيف يحي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ فقال: أما مررت بوادي اهلك ممحلا ثم مررت به يهتز خضرا؟ قلت: نعم يا رسول الله, فقال: فكذلك يحي الله الموتى وتلك آيته في خلقه. رواه احمد وابن ماجة

فقضية البعث والنشور يوم القيامة حقيقة يثبتها العقل والعلم وينبه القرآن إلى تذكرها والتفكير فيها ويؤكدها بكل الأساليب كالقسم, والتكرار, وذكر أخبار الآخرة بإسهاب وحرص, و حسبنا في ذلك قوله تعالى:

{اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} (سورة النساء 87)

قال الشاعر:

أوما شهدتم آية عن بعثكم                 بعث الحياة بميت الأبوار؟

Please follow and like us:
عمر بلقاضي
كاتب وأديب جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب