عمر بلقاضي يكتب: الآيات الكونية وفريضة التّفكير (2-3)
مَنْ الذين ينتفعون بالآيات في الكون فتدلهم على الله فيؤمنون به ويخضعون له بظهر الغيب؟
يجيب القران الكريم على هذا التساؤل ونبين ذلك فيما يلي:
الذين ينتفعون بآيات الله في الكون هم
1- الذين يعقلون:
أي يستخدمون عقولهم في طلب الحق فيفكرون فيه ويستدلون عليه بآيات الكون ويتجاوزون بتفكيرهم حدود المحسوس المألوف الى ما وراءه من الغيب كالاستدلال بالمصنوع على وجود الصانع وبعض صفاته كالخبرة والحكمة.. جاء في القران الكريم
{إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنهار……لآيات لقوم يعقلون} (البقرة)
{وسخَّر لكم اللّيل والنّهار والشّمس والقمر والنّجوم مسخرات بأمره إنّ في ذلك لآيات لقوم يعقلون} (النحل 12)
{وفي الأرض قطع متجاورات وجنّات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضِّل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} (الرعد 4)
{ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا…..إنّ في ذلك لآيات لقوم يعقلون} الروم 24 ذكرت سابقا
2- الذين يتفكرون: ومن الآيات الدالة على ذلك:
{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا.. إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} (الروم)
{وهو الذي مدَّ الأرض وجعل فيها رواسي وانهارا ومن كلِّ الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النّهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} (الرعد 3)
{الله الذي سخَّر لكم البحر لتجري الفلك فيه بامره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون، وسخَّر لكم ما في السّماوات وما في الأرض جميعا منه إنَّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون}( 12،13 الجاثية)
3- أولو الألباب والأبصار والنهى:
أي أصحاب العقول الذين يستخدمون عقولهم جاء في القران
{إن في خلق السّموات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكّرون في خلق السّماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار} (ال عمران 191)
{يقلب اللّيل والنّهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار} (النور 44)
{الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السّماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتَّى كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النُّهى} (طه 53 – 54)
{أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لألي النُّهى} (طه 128)
4- الذين يسمعون:
أي يأخذون قول الداعي الى الله (واكبر داع هو القرآن) مأخذ الجد والاهتمام ولا يتجاهلونه بل ينصتون إليه ويعملون الفكر فيه، فالسماع هنا ليس مجرد تلقي الصوت بل هو التمعن في المسموع، قال عز وجل:
{هو الذي جعل اللّيل لتسكنوا فيه والنّهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون} (67 يونس)
5- الذين يعلمون: جاء في القران الكريم
{هو الذي جعل الشّمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السِّنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحقِّ يفصل الآيات لقوم يعلمون} (5 يونس)
{ومن آياته خلق السَّماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إنّ في ذلك لآيات للعالِمين) (الروم 22)
6- يصبرون ويشكرون:
أي يتحملون عناء جهود البحث لأن طلب الحق يتطلب جهدا فكريا ونفسيا وبدنيا وصبرا على ذلك، ثم هم يفعلون ذلك من أجل الاعتراف بالفضل لصاحبه أي لله وهو الشكر قال تعالى:
{الم تر أنَّ الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبَّار شكور} (لقمان 31)
7- يؤمنون ويوقنون:
أي يعتقدون الحق فيزدادون تعظيما لله تعالى كلما ازدادوا معرفة بأسرار خلقه وفي ذلك جاء في القران الكريم
{وهو الذي أنزل من السّماء ماء فأخرجنا به نبات كلذِ شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حباذً متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجَّنات من أعناب والَّزيتون والرُّمَّان مشتبها وغير متشابه انظروا الى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} (99 الأنعام)
{وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون} (الذاريات 20)
8- الذين يتقون:
أي يخشون الوقوع في الهلاك إذا هم تركوا البحث عن الحق قال عز وجل:
{إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السّماوات والأرض لآيات لقوم يتّقون} (يونس 6)
9- المتوسمون:
وهم الناظرون باعتبار, المتفكرون، المتبصرون الذين لهم فراسة في معرفة الحق من دلائله وآياته قال تعالى عن قوم لوط:
{فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل إن في ذلك لآيات للمتوسمين} (74-75 الحجر)
فالقران الكريم يلح في دعوته العقلاء الى النظر والتأمل والتفكير في المخلوقات مستعملا عدة أساليب نذكر منها:
أساليب القرآن الكريم في دعوته الى التفكر في الآيات الكونية
1-الأمر المباشر بالنظر:
والأمر يفيد الوجوب كما يقرر الأصوليون ومن آيات الأمر بالنظر:
{قل انظروا ماذا في السّماوات والأرض وما تغني الآيات والنُّذُر عن قوم لا يؤمنون} يونس 101
{…. انظروا الى ثمره إذا أثمر وينعه} الأنعام 99
{فلينظر الإنسان الى طعامه} 24 عبس
{فلينظر الإنسان ممَّ خُلق} القيامة
2- الامر المباشر بالتفكير
قال تعالى : {قل انما اعظكم بواحدة ان تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا…}
3- الاستفهام الإنكاري أو التقريعي مثل:
«الم تر، أولم يروا، الم يروا، أولم ير، أولم ينظروا، أفلا ينظرون….» نذكر من ذلك قول الله تعالى:
{ألم تر أنّ الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزِّل من السَّماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار} (النور 43)
{ألم يروا الى الطّير مسخَّرات في جوِّ السّماء ما يمسكهن إلى الله إنّ في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} (سورة النحل – الآية 79)
{أولم يروا أناّ خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذلّلناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون} (يس71-73)
{أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وان عسى أن يكون قد اقترب اجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون} (185 الأعراف)
{أفلم ينظروا الى السّماء فوقهم كيف بنيناها وزيَّناها ومالها من فروج} (سورة ق 6)
{أفلا ينظرون الى الإبل كيف خلقت والى السّماء كيف رفعت والى الجبال كيف نصبت والى الأرض كيف سُطِحت} (الغاشية17-20)
والاستفهامات التقريعية كثيرة جدا في القرآن الكريم
5- القسم بالمخلوقات للفت الانتباه الى ما فيها من دلائل باهرة على قدرة الله عز وجل
وقد أقسم الله سبحانه في القران الكريم بأشياء كثيرة كالشمس، والقمر، والليل، والضحى، والزمان والسماء والنجوم….الخ
6- تسمية سور القرآن بأسماء الكائنات الحية والظواهر الطبيعية تنبيها للعقول على أهميتها في الدين والدنيا مثل:
الإنسان البقرة، الأنعام النحل، العنكبوت، السماء، النجم، الطارق، الشمس، الضحى، الليل، الفجر، العصر، الرعد, الطور، الزلزلة….. الخ
7- ذم الذين لا ينظرون ولا يتفكرون ولا يعتبرون فوصفهم بالعمي والصمم والبكم وأنهم أضل من الأنعام
قال تعالى:
{إنَّ شرَّ الدَّواب عند الله الصُّمُّ البكم الذين لا يعقلون} (الانفال 22)
{أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الإبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} (الحج 46)
{ولقد ذرأنا لجهنَّم كثيرا من الجنِّ والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون} (179الاعراف)
وان كان ترك التفكير والنظر في آيات الله من أسباب دخول جهنم فهذا يعني أنه من الكبائر المهلكة مما يعني أن التفكر والتأمل في الكون ومخلوقاته من أعظم الفرائض والواجبات في الإسلام
8- تكرير الكلمات والمعاني المحفزة على التعقل والنظر
وكذلك أسماء الأشياء موضوع النظر والاعتبار فمثلا يعقلون وردت22 مرة في القرآن يتفكرون 10 مرات
ينظر بمشتقاتها وتصاريفها أكثر من 36 مرة، اسم السماء والسماوات أكثر من 300 مرة،وهذا تأكيد على النظر وتنبيه على قيمة الأشياء المنظورة إيمانيا.
ما يصرف الناس عن التفكر في آيات الله
مادامت الآيات الدالة على الحق بهذا الكم وهذا الوضوح فما الذي يصرف الناس عن الاهتمام بها والاستفادة منها في بناء الإيمان؟
نجد الجواب في القرآن أيضا ونبينه فيما يلي:
1- الغفلة:
وهي الانغماس في متطلبات الحياة وأهوائها والانشغال بها عن التفكير في دلائل الحق جاء في القران الكريم
{إنَّ الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنُّوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون} (7-8 يونس)
{وان كثيرا من النَّاس عن آياتنا لغافلون} (92 يونس)
{… أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين} (سورة الأعراف – الآية 172)
2- الإعراض:
وهو النفور والهروب من دلائل الحق جحودا له أو كسلا عن مشقة التفكير و تبعات التكليف يقول تعالى:
{وكأيٍّ من آية في السَّماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون} (يونس 105)
{وجعلنا السَّماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون} (الأنبياء 32)
{وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين} (الانعام 64)
3- الكبر والغرور والعناد:
قد يعرفون آيات الله ولكن ينكرون ما تدل عليه من حق مثل الكثير من علماء الغرب الآ ن قال تعالى:
{سأصرف عن آياتي الذين يتكبَّرون في الأرض بغير الحقِّ وان يروا كلَّ آية لا يؤمنوا بها وان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وان يروا سبيل الغيِّ يتَّخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذَّبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين} (الأعراف 146)
{يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها} (النحل 83)
{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوًّا} (النمل 14)
4-إتباع الهوى:
ومعناه استحسان الآراء والمواقف والسلوك بالاشتهاء وإتباع النفس من غير الاستناد الى علم وعقل وفكر جاء في تفسير الطبري في تفسيره لقوله تعالى {يتّبعون أهواءهم} قال: أي آراء قلوبهم وما يستحسنونه ويحببه لهم الشيطان”قال عز وجل:
{فان لم يستجيبوا لك فاعلم أنَّما يتبعون أهواءهم ومن أضلُّ ممن اتّبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين} (القصص 50)
{فلا يصدنَّك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى} (طه 16)
5- إتباع الشيطان وكثرة المعاصي:
فالشيطان يصد عن سبيل الله والمعاصي تعمي القلب أي تذهب نور العقل قال عز وجل:
{واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشَّيطان فكان من الغاوين} (الأعراف 175)
وعن الذنوب يقول:
{كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالوا الجحيم} (14-15 المطففين)
6- الجمود العقلي والتقليد الأعمى:
أي إتباع العادة والمألوف ولو كانت باطلا من غير تبصر كمن قلدوا آباءهم وأسيادهم في عبادة الأحجار والأبقار قديما وحديثا وكمن يقلد الغرب في إلحاده من أبنائنا قال تعالى:
{وإذا قيل لهم اتَّبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتَّبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون} البقرة
7- الجهل:
فالجاهل لا يعرف قيمة الآيات ولا يفهم مدلولها قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} (فاطر 28)
[يُتبع]