مقالات

عنتر فرحات يكتب: أزمة الحليب في الجزائر

هل من الممكن أن تكون عنزة سببا في مقاومة حصار يسعى الغرب له ضد الجزائر؟

مقدمة

عنتر فرحات يكتب||⇐ المؤكد أنك ستستغرب كثيرا لما تجد طبقة مثقفة من دولة تركز على دولة أخرى وتجعل كل همها هو تتبع أي ثغرة أو عثرة في الدولة الأخرى متناسية مشاكلها وتجعل كل تقدمها ونخبويتها في نقد الدولة الأخرى.

وهذا ما يظهر جليا عند بعض من يسمون نخبا ومؤثرين في أكثر من دولة في جعل كل نجاحاتهم ونخبويتهم في مهاجمة الجزائر،

والبحث عن أي ثغرة لنقدها، وجعل كل انتصار سياسي جزائري او تقدم اقتصادي مجرد أوهام أو محاكاة بالذكاء الاصطناعي.

وإن أردت أن تعرف الجوانب الحقيقية لمهاجمة الجزائر فيكفيك أن الجزائر هي الدولة الوحيدة التي تعلن عداءها للكيان علانية ولا تعترف به،

وهي الدولة الوحيدة التي استطاعت معاقبة الكيان منذ تم إعلان ما يسمى دولة إسرائيل،

وذلك بأن فرضت تجميد عضويته في الاتحاد الإفريقي ثم طرده،

وذلك بعد أن جاءت به دولة تنسق أمنيا مع الكيان ضد الجزائر، ولما تريد أن تعرف من هي هذه المكونات

التي تحارب الجزائر فستجدها ألسنة عربية للأسف متمركزة في دولتين عربيتين، وكل ما تقوم الجزائر بأي تحرك ضد الكيان..

خاصة بعد انتخابها ضمن الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن تسارع تلك الأطراف لمهاجمة الجزائر وبأكثر من وسيلة.

ولا ننكر أن تلك الأطراف تستعين بأدوات داخلية في حربها ضد الجزائر.

ولو تركز تجدد هذه الأطراف من أكثر الأشياء التي تنتقدها في الجزائر تركيزها على مادة الحليب،

وجعل الجزائر دولة فاشلة لأنها لا تملك ولا توفر مادة الحليب لمواطنيها.

أي شخص يعرف الشعب الجزائري فسيعلم أن حوالي ثلثي الشعب الجزائري تعتبر مادة الحليب لهم مادة أولية مثلها مثل مادتي القمح والشعير،

فمن الممكن للأسرة الجزائرية أن تتخلى عن أي مادة أخرى باستثناء هاتين المادتين (البز والحليب)،

وهذا ليس وليد اللحظة أو التقدم الحضاري الحالي، بل يعتبر امتدادا لوجود الشعب الجزائري.

تسأل كيف ذلك؟

باختصار شديد لو ترجع إلى بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر فأكيد سمعت بمصطلح الأرض المحروقة،

أدرك المحتل الغاشم أن قوة الشعب الجزائري الاقتصادية هي في ما تنتجه الأرض من قمح وشعير.

ستسأل سؤال ثاني نعم ندرك هذا، ولكن ما علاقة الحليب بالحرب؟

_الجواب أن غذاء الجزائري المتكامل هو الكسرة (الخبر) والحليب، فمن المستحيل أن تستطيع محاربة الجزائري إذا كان يملك هاتين المادتين الأساسيتين،

وهذا ما أدركه المحتل الغاشم، لذلك اعتمد سياسة الأرض المحروقة، فبعد حرق المحاصيل،

والذي ينتج عنه تجويع الشعب وذلك بحرمانهم من المادة الأساسية الكسرة(الخبز)،

ثم يترتب على ذلك قحط الأرض ما يترتب عليه موت المواشي خاصة الأغنام والأبقار، لأنها لا تتحمل الجوع الشديد، باستثناء الماعز،

لأنها تتأقلم وتستطيع أن تتكيف وتعيش حتى على بقايا أعشاب، لذلك هذا هو الجواب لماذا نجد في بيت كل فقير جزائري خاصة أيام الثورة معزة،

هذه العنزة تعتبر هي العنصر الأساسي، لأنها توفر لصاحب البيت المادة الأولية التي تحتوي غذاء كاملا، إضافة إلى الكسرة.

فكل بيت توفرت فيه عنزة فقد توفر في على غذاء كامل؛ لذلك حتى في مدائح وقصائد الثوار تجدهم لا يزيدون عن مصطلح الكسرة والحليب،

يعني أنه بتوفر هاتين المادتين فقد حققت الجزائر الأمن الغذائي، ما يعني استحالة نجاح أي حصار قد يفرض علينا.

وإن كانت محاربة القمح واضحة وظاهرة للعيان، سواء بتهجينه أو فرض عقوبات على الأسمدة،

ومحاولة ضرب الأراضي الزراعية التي تقوم بها يد الخيانة الداخلية،

وهذا ظاهر ومن دون غطاء فستسأل كيف تتم محاربة المادة الأساسية الثانية الحليب؟

لو تسأل أي شخص اليوم قد قارب أو جاوز العقد الخامس من عمر عن حال الأسر الجزائرية قبل العشرية السوداء،

فسيقل لك كانت أكثر الأسر تعتمد على زراعة القمح والشعير،

ومن النادر أن تجد بيت ريفي ولا تجد فيه أقل شيء ثلاث نعجات وعنزة، وإن كان صاحب البيت موظفا؛

أي أن وجود نعجات في البيت والعنزة بمثابة وجود السيارة اليوم، أمر ضروري وأساسي.

فتسأل لماذا نعجات تحديدا ولماذا عنزة؟

فالنعجات بمثابة رصيد في البنك، ففي كل موسم دراسي أو رمضان او العيدين، تجد صاحب البيت يستعين على ذلك الموسم ببيع خروف ثم بثمنه يلبي حاجياته؛

أي لا يعتمد على الراتب الذي يتقاضاه بل يجعل نفسه مستعدا لكل عارض.

تقل لي نعم فهمنا النعجات، ولكن لماذا عنزة واحدة؟

العنزة ولسهولة تربيتها، فكانت هي العنصر الأساسي في البيت، لأنها هي التي توفر المادة الأساسية الأولى بعد الخبر وهي الحليب.

فكل رجل وإن كان موظفا وعنده عنزة، فهو يملك المادة الأساسية الأولى بعد الخبز، وهذا يرجع بالإيجاب المادي على صاحب البيت،

والإيجاب الصحي لأطفاله؛ لأنهم يتناولون حليبا طازجا كل صباح خال من أي مادة كيماوية أو مضافات ممزوجة بدهون الخنزير أو أي مكون جيني آخر،

ما يعني أن وجود عنزة في البيت حرب مباشرة ضد مشروع العولمة والذي يصطلح عليه الناس بـ المؤامرة.

وإن أردت أن تعرف أن فيه حربا حقيقية ضد مادة الحليب فبعد معرفتك بحرب القمح تعالى معي وفي عجالة،

فبعد العشرية ماذا ترتب عليه؛ أكثر الفلاحيين تركوا الأرض وهاجروا المدينة، ليس هذا فقط،

بدأت تنتشر ثقافة أن من يربي نعجات في بيته أو عنزة فهي سمة من سمات التخلف،

وهو الأمر الذي انطلق من العاصمة للأسف، حتى تجد سكان ضواحي العاصمة -خاصة سهل متيجة- أصبحوا يستحيون بأنهم يملكون أغناما أو عندهم عنزة،

ومرة وأمام ناظري شخص جاهل يتناقش مع رجل متخصص في الإعلام الآلي شتمه بأنه يملك عنزة،

فلا يحق له أن يتكلم في العاصمة لأنها خاصة بالناس الراقيين والذين من سمات رقيهم احتقار من يمارس الفلاحة أو يربي عنزة.

فبعد هجرة كثير من الفلاحيين وانتشرت ثقافة تخلف من يملك عنزة، كما انتشرت في وهران ثقافة المعسكري مع المصطلح الذي تعرفونه،

لأن معسكر حافظت على طابعها الفلاحي، فأرادوا أن يعاقبوها ويجعلوها موضع سخرية لأنها لم تستسلم لمشروعهم.

لوبيات الحليب

فبعد هجرة الأرض وتخلي الموظف والفلاح عن تربية المعزة فجأة ظهرت لوبيات الحليب، والتي أحرجت الدولة كثيرا،

ما جعل الدولة تتدخل في محاولة السيطرة على تجارة هذه المادة، والجميع يعرف محاربة الدولة للوبيات هذه المادة.

الذي أردته باختصار أن مادة الحليب أساسية مثلها مثل القمح، ومن المستحيل أن ينجح أي حصار ضد الجزائر بتوفر هاتين المادتين،

فبعد أن جعلوا المواطن لا يوفر هذه المادة يريدونه اليوم أن يبتعد عنها لصالح مادة أخرى هم ينتجونها، حتى يسهل عليهم محاصرة الجزائر،

لأنهم يعلمون أن أي حصار آني (لحظي) سيجعل المواطن خاصة في الأرياف يرجع لثقافة تربية عنزة في بيته،

ولا يهمه ما يقوله العاصمي الذي يستهزئ بمن يملك عنزة، لأن إنقاذ أولاده مقدم على رأي العاصمي المدجن في مخابر غربية؛

فلذلك لا تستغرب تلك الهجمات المنظمة من الكيان وأعوانه الناطقة بالعربية ضد الجزائر وضد مادة الحليب تحديدا؛

لأنه يعلم أن الحليب والكسرة هما صديقا الثوار والمجاهدين الذين دحروا أعتى قوة، ولما أدركوا أن الدولة الجزائرية اليوم ترجع لثقافة الأرض،

وهذا ما نراه في صحرائنا العزيزة، فاهموا الآن هم يريدون الدخول من بوابة إبعاد الشعب عن المادة الثانية.

وإن كان ثمة طلب نوجهه للدولة الجزائرية، فهي أن تجعل كل مواطن في الريف أو ضواحي المدن يملك معزة مقابل منحة من الدولة،

فهي حرب حقيقية ضد أي حصار يتربص بنا.

فالثمن الذي (لا قدر الله) تدفعه في الحصار نوفره اليوم منح لكل مواطن وسيكون هذا كسرا لأي حصار مرتقب يتربص بجزائرنا العزيزة.

عنتر فرحات

كاتب وباحث في الشئون الإسلامية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى