عنتر فرحات يكتب: شيخ المجمعيين والمجامع العربية
أناس تشرف بسكناها
وديار تشرف بساكنيها
لما يكن المقصد (بعد فضل الله) هو الإمام الوسم الذي تتشرف كل المجامع بأن يكون قلادة عنقها
مولانا الحسن الشافعي، وحتى الاسم وسم وختم ممهور (إمام اللغة)، وإن كانت مفاخر الشاعر أن تفتقت قريحته وهو ابن ثماني سنين، وجاوز ابن المعرة في خيلائه لأن عامه الأول بعد عقده الأول كان بداية لتفتق قريحته، وتكون باب عذاب أليم، يفتح عليه أبواب الجحيم، وهو يناطح بلزومياته ساكنة وادي عبقر؛ فإن صدر اللغة وبعد الثمانين تتفق قريحته ليس شعرا بل عبقا، وكأنه مسك غزال الذي نضج ونصح عبر شرايين دقيقة دقة كلمات لغة تناطح الزمان، وتتجاوز المكان، وكأني بعاشق أم أوفى يتمهل في ميميته ويرسل رسالة عبر ابن المعرة هلا كانت لنا من رسالة لوادي عبقر تأنيبا ابتداء، وتذويبا تثنية أن الثمانين ليست سؤما بل باب إقدام للتأريخ لقرائح تتحدى أصحاب النقائض بل وتناطح الفحل والملك الضليل ، وكان العنوان: بعد الثمانين قلت شعري، ألا يستحق بل تجب الزيارة لا للمجمع الكيان؛ بل لمجمع اللغة الانسان وعبقرية التراث مولانا الحسن الشافعي.
ما بعد رحلة الغفران
اعتذارات شيخ المعرة
وهو في رحلته وقد حاور سيدنا حسان وإذا به يقابل قصرا كبيرا وتعلوه خيمة من أديم يلمع كأنها شذرات ذهب امتزجت مع قطرات ندى كسرتها سهام شمس صبح هادئة، وعلى الخيمة قبلة تعلوها لؤلؤة مكنونة، وكأنها إنسان عين كاعب شديد الحور، فدخلها فإذا شاعتها وكأنه في ليلة بدرية من شدة جمال نجومها اللامعات، وياقوتاتها المتناثرات؛ كأجمل ما يتمناه المرء لأعز إنسان، وفي قلب الخيمة عرش مرصع بجواهر مرصوفة وكأنها ثغر معشوقة صاحب البردة، ويعلوه شيخ ذو لحية بيضاء منسدلة مع نضرة وكأنه هزبر بن عمار يرسل في نظرات وكأنها رصائع محل الشنفري وقد زل عنها السهم، فقلت، والقول في حضرة الوقار محرم بل مجرم! من هذا، يا رضوان!
فقال: وكله وقار، لك الويل ألا تعرف الحُسن، فقال شيخ المعرة: كل الحُسن مجتمع هنا من الخيمة إلى القبة إلى العرش، إلى الشيخ الوقور؛ بل الشيخ الوقار، والخدم حواليه، وكأنه زهرة والنحل ينجذب لرحيقها نهارا والفراش للمعان بريقها ليلا.
فقال ما عساني أن أقول والقول كله في كتاب مكنون، وكل مكنون مصون، والقول عند ربي كن فيكون.
وفي لحظة يخرج شيخ المعرة عن فلسفاته ويرجع لشاعرياته، ويحاول متطفلا أن يحاور مستمعا ممن تحولقوا وتحلقوا بالمجلس، فقال: ومن يكون هذا البدر الذي تحلقت حوله كل هذه النجوم، فقالت الخادمة، وكانت كالفراش في رونها وكالغزال في رنين نغماتها، يا جرير أجب الشيخ، فلتفت إلي وقال: آما زالت مطاياك في الجنان مسرجة يا ابن المعرة هلا رجعت لدنياك، هذا بل هنا كمال الوقار، وسل السعيدة من الأيام فعندها من الجواب ما يكفي ومن الهيبة ما يغني، ولن يكون للكلام في حضرة الوقار مقام بل حال وسل الرومي والشمس وقبلهم الإمام الأكبر، لأن الكلام هنا كحال الفراش لما تقترب للمصباح، لا قول يعلوا فوق: أحب احتراقي بنار اشتياقي، هنا الشوق وهنا الفناء، ولكن صاحب النقائض لم يرض بأن يتكلم خصمه ويبقى ساكنا صامتا، فاختار الاحتراق لكن بعد ان أفاق وقال: هذا الذي يكسر قانون العمر في الدخول لنادي وادي عبقر، ويغير قواعد قوانين الوادي، وإن كان العمر هناك يبدأ من أول قافية، فعمر الوقار يبدأ من بداية أول شيبة تتغني بقافية، والله نسأل له الثمانين بعد المائة وتكون حبا وخيرا لأمتنا ولغتنا.
حفظ الله إمامنا الحسن الشافعي ومتعه الله بوافر الصحة والبركة في العمر.