مقالات

عنتر فرحات يكتب: فرنسا وسقوط الأدوات

استغرب كثير إن لم نقل كل النخب العربية من التوتر الشديد بين الجزائر وفرنسا(ليس حبا في الجزائر بل حزنا على فرنسا)؛ وهم الذين كانوا يرون ف الجزائر ما هي إلا بعدا فرنسيا كما يزعمون، وأن كل ما يقوم به النظام الجزائري هو خدمة لفرنسا، وتأكد لهم هذا بعد حراك الجزائر 2019م حيث كانت قناة الجزيرة وكل القنوات الخاصة تؤكد أن النظام الجزائري والجيش الوطني الشعبي ما هم إلا عملاء لفرنسا؛ بل أكثر من ذلك جعلوا الجيش الوطني الشعبي يؤدي أدوارا لدول في حقيقتها مملكات عمرها أقل من شاحنة في الجيش الوطني الشعبي، ورسخوا لهذا الطرح عبر ضخ إعلامي كبير، ما بين كل من قطر عبر الجزيرة، والإمارات عبر العربية وسكاي نيوز وقناة الغد، ومجموعة القنوات التركية الناطقة بالعربية والتي كانت تمارس المظلومية الشيعية بحكم انها إسلامية سرق حقها، والإعلام الفرنسي عامة وقناة المغاربية من لندن وإعلام المملكة المغربية عامة حيث لم يكن له أي شيء يقدمه سوى نقد الجزائر، بطرق أقل ما يقال عنها وضيعة، تصور يخرج دكتور في قناة مغربية ويقول أنه لا وجود لثورة الجزائر؛ كمثال بسيط فقط.

وفي ظرف مثل هذا من المستحيل أن تقنع أي مواطن بسيط بأن الجبهة التي تحارب عليها الجزائر هي الجبهة الأخيرة، وأنه لا قدر الله لو سقطت الجزائر، فهذا يعني أنه انتهى شيء اسمه الوطن العربي، والشمال الإفريقي العربي، ولكن هيهات أن تجد من يسمع فضلا أن يصدق ما تقول.

وفي خضم هذا الصراع الشديد وجدنا النخب العربية خاصة التي استقطبتها قطر وتركيا، والنخب التي استوطنت أوربا تشن حربا شديدة ضد الجزائر بكل الوسائل، مستعملة كل ما تملك من أدوات ناعمة، والغاية هي تحريك أو لخبطة الوضع في الداخل الجزائري، حتى إنه أحد النخب (كما يسمي نفسه/دبلوماسي سابق) والذي تستضيفه قناة الجزيرة والبي بي سي والحوار والقنوات التركية والفرنسية، كان يطالب علانية بأنه يجب أن يقتل أقل شيء ما بين مائة أو مائتين حتى يكونوا وقودا تشعل الشارع الجزائري، بينما هو ينعم في بريطانيا بتجارة في أرقى شوارع لندن.

وفي خضم هذا الطرح والترسيخ الإعلامي الكبير المضلل، استغل مخزن مراكش الفرصة وبدأ يصعد من هجماته ضد الجزائر، حتى يقدم نظرية أن قضية الصحراء الغربية ماهي إلا ممارسة جزائرية تنفيذا لأوامر فرنسية، وحتى في تطبيع المخزن والذي تم عبر حكومة إسلامية، جعلوا أسباب التطبيع هي الجزائر؛ أي أن كل مشاكل المملكة حملتها للجزائر.

وبعد التطبيع وجدنا تركيا التي تحتضن التيارات الإسلامية، والتي رئيسها يسعى لبناء خلافة إسلامية هو قائدها تدعم المملكة المغربية بأسلحة متطور على شاكلة طائرات من دون طيار؛ ثم هذه الطائرات تقتل ثلاثة جزائريين في عملية استفزاز صريح ومباشر ومشترك بين كل من المخزن وإسرائيل وتركيا ضد الجزائر.

وفي خلال هذا الضخ الإعلامي الكبير ضد الجزائر تركيا ترسل آلاف الدواعش لمحاصرة الجزائر من الناحية الشرقية، وهو ما جعل الجزائر تنشر أكثر من خمسين ألاف جندي لحراسة حدودنا الشرقية.

وبالرغم من هذا الحصار الشديد الذي يمارسه الغرب على الجزائر، غربا عبر المملكة المغربية والتي أصبحت إسرائيل هي المتحكم المباشر هناك وخاصة عبر مستشار الملك أزولاي من الناحية السياسية، أما عسكريا فقد شرعت في بناء قواعد عسكرية عالية التقنية على حدودنا الغربية، وعبر تركيا التي توظف المسلحين القادمين من سوريا (النصرة وداعش والهيئة)، بترحيلهم إلى ليبيا، ولم تكتف بذلك بل دخلت الساحل بعد طردنا لفرنسا منه.

كل هذه الضغوطات التي تمارس على الجزائر شرقا غربا شمالا وجنوبا لم يره المثقف العربي فضلا عن نخب القنوات في قطر وتركيا وأوروبا، وكانت كل سهامهم ضد الجزائر.

وفي خضم هذه الظروف الصعبة المحيطة بنا، لجزائر تستضيف مجموعات الفصائل الفلسطينية من أجل المصالحة الوطنية.

-لكن الإعلام العربي لم ينتبه لهذا لأن مهمته مهاجمة كل شيء جزائري خدمة لأسياده، ومازال يركز على الجزائر التي تخدم أجندات فرنسا، ثم أمريكا وإسرائيل يسلحون المغرب بأسلحة متطورة جدا والمغرب عبر إسرائيل يبدأ في رفع الوتيرة ضد الجزائر؛ لدرجة وزير صهيوني من المملكة المغربية يهدد الجزائر علنا في سابقة خطيرة لم يسبق لها نظير.

-بعد هذا التصعيد الخطير من المملكة جعل قائد الأركان يرسل رسائل مباشر أنه إذا فكرت المملكة في التصعيد فإنها ستكون حربا شاملة، في رسالة مباشرة لأوروبا التي كانت تريد حربا محدودة تستنزف الجزائر خاصة بعد إعلان الجزائر مشروع 2030 وأن الناتج المحلي لسنة 2027 سيصل إلى 600مليار دولار، يعني الأولى إفريقيا.

كل هذا جعل أوربا وخاصة فرنسا وأمريكا يقدمون كل الدعم للمخزن من أجل استنزاف الجزائر، ومع كل الاستفزازات التي مارستها المملكة وكانت النخب العربية هي الدافع غير المباشر للطرح الغربي ضد الجزائر من أجل خلق سوريا جديدة بعد أن فشلوا في جعل الجزائر تدخل في حرب ضد المملكة على شاكلة العراق ضد الكويت وضد إيران قبلها.

وبينما الألم يعتصر النخب العربية في القنوات سواء في قطر أو الإمارات أو تركيا أو فرنسا وبريطانيا، نتفاجأ بخبر غريب جدا، الاستفزازات ضد الجزائر ليست من المجموعات المسلحة التي أرسلها أردوغان إلى ليبيا، وليست مجموعات حفتر مع مرتزقة فاغنر، وليس من الصهاينة عبر المملكة المغربية؛ المفاجأة أن الاستفزازات جاءت من أقصى الجنوب.

فرنسا تريد أن تستفز الجزائر من الجنوب، وتدخل طائرة من دون طيار تركية الصنع، والمشرف على تشغيلها ضباط مغاربة من دولة مالي.

وهذا الاستفزاز سبقه استفزاز من قبل، لما أرادت فرنسا اختراق المجال الجوي الجزائري عبر حوامات والنتيجة استحيت فرنسا عن إعلانها.

-الجيش الجزائري يعلن عن إسقاط طائرة من صنع تركي (آكنجي فخر الصناعة التركية كما يزعم أتباع أردوغان الذي سيبني لهم خلافة إسلامية)، تتكتم حكومة مالي عن الخبر، ثم فجأة القائد العسكري -كويتا-، الذي يحكم مالي عبر انقلاب يتحرك بطريقة هستيرية، ويبدأ في تصعيد ضد الجزائر، ثم كل الأقلام المالية والنيجيرية الناطقة بالعربية تنضم للنخب العربية في مهاجمة الجزائر.

ما ليس بغريب أن صفحات مالي والنيجر التي بدأت تهاجم الجزائر لم تخرج في هجومها عن المصطلحات التي كان يستعملها إعلام المملكة المغربية ضد الجزائر حرفيا؛ لدرجة تشك هل هذه صفحات مالية ونيجيرية أم هي صفحات مخزنية والمشرف عليها ضباط من المخزن المغربي.

تتجاوز الجزائر الصراع أو التصعيد ضد مالي والنيجر، وينتقل الصراع حقيقة إلى اليد التي تحركهم.

وفجأة يبدأ توتر كبير بين الجزائر وفرنسا، وتعتقل فرنسا دبلوماسيا جزائريا، في انتهاك صريح للقانون والأعراف الدولية، ثم فرنسا تتضرع بأنها دولة قانون وترفض الافراج عن الدبلوماسي الجزائري، لأن الأمر قضائي، في الوقت الذي تريد من الجزائر إطلاق صراح جزائري يحمل الجنسية الفرنسية؛ أي هي دولة قانون ونحن لا يحق لنا أن نحترم مؤسساتنا.

 ثم الجزائر ترد بطريقتها وتطرد اثنا عشر فرنسيا يشتغلون في القنصلية الفرنسية، كرد فعل طبيعي، ثم وزير الداخلية الفرنسي يهدد الجزائر بالمواجهة إن هي لم تعدل عن قرارها.

تتخذ الجزائر القرار، ولسان حالها لفرنسا (دير عشرة واغرس؛ بمعنى، أعلى ما في خيلكم اركبوه).

في خضم هذا الصراع الشديد أين موقف النخب العربية؛ للأسف الشديد مرة أخرى يقفون في صف فرنسا، ويبحثون عن أعذار تبرر تصرف فرنسا ضد الجزائر.

-الذي أريده وباختصار، أنه لما بدأ التصعيد بين الجزائر وفرنسا سقطت كل الأدوات، ابتداء من المخزن والذي ظهر أنه مجرد أداة لقيطة ما بين كل من فرنسا وإسرائيل وأمريكا، وسقطت كل النخب مع قنواتها التي راحت تبرر لفرنسا وتهاجم بمكر خبيث الجزائر، وسقط التصعيد الذي أرادت مالي أن تمارسه ضدنا.

-من المعلوم ضرورة لدى العقلاء، لما يتجاوز العبيد فالحوار مع السيد لا عبيده.

وفي رد الصفعة صفعات على وجه السيد فإن العبيد تفقد بوصلتها؛ في انتظار سيد جديد ليضع القيد في يدها ثم يسيرها كيف يشاء.

-وهنا تعلم لماذا الغرب يهاجم الجزائر، ولماذا النخب العربية تكره الجزائر، ولماذا تسعى القنوات العربية والناطقة بالعربية لجر الجزائر لحرب بأية وسيلة؛ المفروض اليوم كل الإجابات أصبحت واضحة.

-تحيا الجزائر والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار.

عنتر فرحات

كاتب وباحث في الشئون الإسلامية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى