“عندما رأيـتـه”.. قـصــة : د. ياســــر عبد التــواب
سألته وقتها عن عنوان رسالة الماجستير التي يحضرها …
كنت شاردا أتأمل فيه ..
هذا الشاب به شيئ مختلف يلفت نظري …ما هو ؟
لا أدري
لا أتذكر –حقيقة- عنوان رسالته الآن ..
لكني قلت كلاما مشجعا عن الموضوع الذي رأيته جيدا وإن كان “عاما “أكثر من اللازم..
ويل للأكاديمية وشروطها!
يتكلم وأنا أتابعه وأهز رأسي..
تبا لشرودي..
مختلف ذلك الشاب..
**
ترجلت ..وسرت وحيدا
أغلقت هاتفي .. العالم كله يطلبني وأهرب منه..
الحصار التقني.. خانق
أريد أن أخلوا بنفسي..
أريد أن أحزن..أن أبكي أو أفرح ..
الصمت أبغي
يزيد الأمر عذاباتي ..
أخطو خطوات تائهة ..وأسترجع ذكرياتي
أفكر وأقلب الأمر مليا ..على أي شيئ نحن حقا
**
الشيخ الذي يفتي في كل شيئ لا يزال يفتي
والمجرم الذي يبرر كل شيئ لا يزال يجرم
رائحة عفنة ..تزكم الأنوف ..
وشباب حائر..
وأمة مضللة..وإعلام ساحر فاجر
ورائحة أخرى زكية تعطر القلوب..
وشباب لا يوقفه شيئ
اثبت أحد فإنما عليك نبي و..
**
كاذبون في كل شيئ
الكذب والتدليس والإفك حديثهم
حتى الشيوخ يكذبون
حتى الشياب يأفكون..
همج الماضي يبعثون..
تربية العته والبله والعمالة يحيون
حين يحدثك أحدهم عن كل المتناقضات فيجمعها في اتهامات مثل أن كون جاسوسا لجهة وعميلا لضدها ومفكرا إسلاميا من خلال دعوتك للإلحاد.. فأنت أمام العته مجسدا
**
يصلي في هدوء ..ويقرأ القرآن في تؤدة
تلك الدنيا لا تعنيه
يعيش عالما آخر
اثبت أحد ..
**
كل شيئ منقول الآن ..أنعمة تلك أم نقمة!
حتى والصبي يودع دنيانا ويرفع أصبعه بالشهادة ..تبارت الوسائل لنقل هذا السبق..لأنه سبق!
ثم ينبري الكهنة يبررون ويلومون..لماذا خرجوا ..وكأن ذلك مباحا ومن تعرض له هو الملوم
**
اضرب في المليان..إياك أن تضحي بأفرادك وجنودك من أجل هؤلاء الخوارج
خوارج !
أتحداك
يقولها : يجب أن نعرف من الآمر المكرِه، ثم الآمر من غير إكراه، ثم المتسبب، ثم الراضى المقر بعد علمه بذلك
مكره..ومكره ..وآمر
يقول: ادفعوا الدية وينتهي الأمر ..
كأننا نتحدث عن أرانب تم ذبحها ..فأين الفرق بين قتل العمد وقتل السهو ..يا مولانا
أوليس المقتول عمدا يخير أهله بين القصاص أو العفو أو الدية المضاعفة؟
علماء.. وتستهبلون !
ضاع الحق بكم
**
اضرب في المليان !
رائحة عفنة
**
في المسجد كان يجلس…أي نور في وجه هذا الفتى
قال لي : يجب يومها أن نكون صائمين كي يستجيب الله تعالى دعاءنا
الصوم شاق عليَ ربما لقلة التقوى ..لم أعلق وابتسمت
يسقط ..يسقط كل الأوغاد
**
الفتيات الصغيرات لم يسلَمْن
يستعرض عليهن الأفاعي قدرتهم على الالتفاف والانقضاض والمباغتة والخيانة
تستحيي الزهور منهن..لكن لم يرع أحد ما راعاه وخافه أبو جهل
كان هو أشرف منهم وأطهر !
اتهمت فتاتان بقتل مسنة..امرأة تثير شفقة من يراها ..قتلها المجرمون ثم اتهموا الفتيات من نفس المظاهرة التي خرجن جميعا بها بقتلها
أيتها العقول
هل موت يباع فأشتريه !
**
ترتبك قدماي وأنا أسير ..
كلماته تزلزلني
اختلطت الأصوات علي وارتجت نفسي مع خطواتي
أي شرف عاينته حين رأيته..
وكأني في بحر هائج تلاطمني أمواجه وأصرخ مناديا المنقذ الذي لا يسمعني
والناس من حولي يمشون ..السيارات تنتشي بأرجيلتها
أيتها المدينة العجوز أما زلت خرساء جاهلة
**
ذكرى النصر الوحيد ..مذ أكثر من قرن
الإنجاز الوحيد
أضاعوه مرتين
**
سألته : ألم تتزوج؟
ابتسم وقال : عن قريب
أردفت : تأخرت بعض الشيئ !
وسألته عن عمله فقال مستقر ..
قلت وفقك الله
**
الآذان يرفع ..إنها المغرب وكأن المسجد هناك ..جزيرة لاحت لغريق
هو يفطر الآن؟
المكره والمتسبب والراضي !
الثالوث المعبود من دون الله
اثبت أحد..
**
بعد الفجر كان هناك متواريا خلف عمود المسجد
ألقيت عليه السلام..ورد منشغلا بأذكاره..تركته لخلوته
أشتم رائحة المسك خلف الأفق
**
نسوة كثر ترتج بهن الطرقات..وفتيات..
ورجال كالهدير تنبعث بهم الحياة
وشباب كالسيوف الماضية ..
يجاهدون ..وينطقون كلمة الحق حين باعها الآخرون
حين تأخر غيرهم ..من أجل السلامة
فقط السلامة وليكن بعد ذلك سوق العبيد
يقولونها ..ويدفعون ثمنها غاليا.. ويتساقطون بلا جريرة
ليس عند سلطان جائر ..بل عند طغم جائرة فرعون وجنوده خرجوا موتورين كيأجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون
سلمية …تذهل من يتابع..وغشم مجرم لا يوقفه شيئ
ذكرى النصر .. أحالوها هزيمة
**
هو نفسه ؟ ..
أي شرف نلته..وأي خير عاينته!
نعم عندما تكتحل عيناك بهؤلاء فقد نلت شرفا أي شرف
**
جلست في المسجد بعد الصلاة ..لا أريد أن أغادره
هو بيت كل تقي ..لكن أين التقوى ؟!
الهدوء والسكينة والوجوه الخاشعة والحيطان الذاكرة
هل تبكي معي؟
أبحث عن لحظة صدق ..وأقلب كل الخيارات وكأني صاحب قرار
**
قال لي لا بد أن نغلبهم بالطاعة
وتذكرت قول عمر رضي الله عنه : فإنما تغلبون عدوكم بطاعتكم لله ولو تساويتم معهم في المعصية غلبوكم بكثرة عددهم
وقلت : نعم لكن حاذر على نفسك
وابتسم
أي نور في وجه هذا الشاب؟
**
الآن صارت الأمور واضحة ..وسقطت كل الرايات
كل دعي بان كذبه ..وكل منافق أسفر نفاقه..وكل منتفع جاهر بنفعيته
كلهم كذبة !..
شباب تمسحوا بالثورة.. إما خافوا أو ملوا أو باعوا
سياسيون ما أعظم نفاقهم..إعلاميون ما أبئس كيدهم
عسكر ما أشد بطشهم
كلهم آنفا ادعوا الثورية والبطولة..والآن سقطوا
فقط أولئك الذين أدركوا الأمور جيدا يدفعون الثمن..الذين يعملون من أجل الله ومن أجل الحق ..والحق وحده هم الثابتون
أولئك الذين اتهمهم المغيبون بأنهم مغيبين ..هم وحدهم الذين يناضلون من أجل الجميع
**
غاب عن ناظري أياما..لعله في شغله أو أنا في شغلي
اثبت أحد..فإنما عليك نبي ..و صديق
**
ألملم شتاتي قبل أن أغادر
حتى المساجد يغلقونها بعد المغرب!
فأين يصلي الناس؟
دعني لنفسي ..اتركني لربي..
“طهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود”
**
سألته : أهو حقا
قال بأسً : نعم
قلت: ومن يومها ؟
قال : نعم أصيب بخرطوش في كبده وينزف من وقتها وارتقى بالأمس
وتداعت علي الأفكار والذكريات ..
لم غفلت عنه ولم لم أسأل حين غاب ولم أره؟
اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق ..وشهيدان
**
على باب المسجد شمرت وعدت إلى المحيط أسبح
وقلت لنفسي :
لسنا على باطل أبدا
هم كذلك..
المبادئ لا تتجزأ ..
والاختبار قوي..
والقدوة سامقة
وخلفنا أمة تنتظر..حتى لو سقط في الطريق كل الأدعياء وأصحاب السلامة
هذا الوعي لدى العامة أسلم وأطهر ولم يتلوث بما تلوثوا به ولا يجتمع أهل الحق إلا على هدى
هذه الفطرة السليمة تدل الإنسان على الحق .ولو أفتاه المفتون وزين له المزينون
المرأة تقف على الأخدود تتنازعها الحياة والمبادئ
وطفلها ينطق ..إعجازا ..يأم اصبري فإنك على الحق..فتقفز
ويخلد الله موقفها ويذكره في دينه
المبادئ..
ورسول الله صلى الله عليه وسلم ما تنازل عن مبادئه ..
لا يوم أدميت قدماه بالطائف..
ولا حين أغراه السادة بأموالهم..
ولا حين هددوه بقوتهم..
ولا حين فقد أصحابه غدرا ..
ولا حين تمالأت عليه أحزاب الشر في الداخل والخارج..
ثبت وثبت معه أصحابه
وما ترك هذا الأمر حتى أظهره الله
“اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان”
أحسست براحة وهمة ..ومضيت إلى طريقي
**
السيارات مكتظة توقفت لسبب ما..
يتبرم البعض ويسكت آخرون ويرفع كثر علامة الثبات..
ومن خلف الزحام لاح الرجال..ولاحت الأمة
كتلة بشرية متحركة ..
يرفعون عقيرتهم بسقوط الظلم والبطش والبغي
ران صمت مهيب وهي تمر أمامنا..الدنيا كلها تراقب حتى الشجر والحجر..
ويحكم ما أصلبكم..!
يمرون أمامي الآن
ألحق بهم وأردد: هنيئا لك يا أحمد فاروق..شرفت بك يا فتى
———–
د. ياسر عبد التواب