“عواصفُ الخريف”.. شعر: محمود شحاتة
شُدّي جِراحَكَ فالعَوَاصِفُ مُوجِعَهْ
ودَعِي الشَّهيدَ لكي يُعانِقَ مَضجَعَه
وامشي على جُثِثِ الرِّجالِ عَزيزةً
لم يَبقَ إلا خَائنٌ أو إمَّعَه
ودَعِي العَدَوَّ وقد تحطَّم بَأسُهُ
ليرى الحقيقةَ حينَ تَبلغُ مَسمَعَه
كلُّ الشُّعوبِ إذا تفاقَمَ جُرحُها
أبدت له كُلَّ الحُلولِ لتدفَعَه
إن ضَاقت الدُّنيا فجُهدُ رِجالِكم
صَنَعَ المُحالَ، وكُلَّ ضِيقٍ وَسَّعَه
شُدّي الجِراحَ فقد تَمزَّقَ قلبُهُ
من عَزمِ شَيخٍ مَاتَ يَحملُ مِدفَعَه
هل أنكَرَ التَّاريخُ يومًا سِرَّهُ
أو أخفتِ الأيَّامُ عنَّا مَوضِعَه!!
لن يُردعَ العُدوانَ أيُّ تَفاوضٍ
فمبادراتُ الصُّلحِ لا تُجدِي مَعَه
ما عاد لونُ النِّفطِ يُرضِي شَوقَهُ
– مثلَ النفوذِ – ولا يُثيرُ تَطلُّعَه
لكنها الأحلامُ تَسلك دَربَهُ
وتدُقُّ من بابِ التمرُّدِ مَخدَعَه
مَرَّت جُموعُ اللاجئينَ ذَليلةً
ورِقابُهُم تَحتَ السُّيوفِ المُشرعَهْ
تتدافعُ الزفراتُ من أعمَاقِهِم
ودُمُوعُهم مثلُ الجَداولِ مُترعَهْ
عبثت بهم ريحُ الشِّتاءِ فكُلُّهم
مُترقِّبٌ للفجرِ يأمُلُ مَطلعَه
والموتُ يَختارُ الكِرامَ لِغَايَةٍ
وكأنَّهُ الجرَّاحُ يَحملُ مِبضَعَه
أنا ما كتبتُ الشِّعرَ يَومًا طالِبًا
صِلَةً – لأُطعِمَ أُسرتي – أو مَنفَعَهْ
أو مادِحًا ذا مَنصبٍ أو ضَيعَةٍ
لينالَ مِنِّي حينَ يَرفعُ إصبَعَه
لكنَّهُ ما زال يُطفىء حَيْرَتي
ويُجيبُ عن كُلِّ الظُّنونِ المُفزِعَهْ
ويُزيلُ أوهامًا تَجَولُ كأنَّها
سُحُبٌ أطلَّت ثم عَادت مُسرعَهْ
يا شِعرُ أنتَ لِكُلِّ حُرٍّ لَعنَةٌ
أنا من رَعِيلٍ شِعرُهُ قد ضَيَّعَه
يا أمَّةً مَلَكَ الدُّهَاةُ زِمَامَها
ليُقيمَ فيها كُلُّ حَاوٍ مَرتَعَه
أخذوا المَصَانِعَ والقُصُورَ جِبَايَةً
والشَّعبُ يَقبعُ بَاكياً في الصَّومَعَهْ
تَمضي الحياةُ، وكلُّ عَامٍ يَنقَضَي
تُزرِي بنا الدُّنيا وتُوسِعُنا ضِعَهْ
تُقضَى الأمورُ بِغيرِنا وكأنَّنا
خُشُبٌ – تُنَحَّى جَانِبًا – أو أمتِعَهْ
لن يَتركَ الرُّبَّانُ دَفَّتَها لَكُم
حَتَّى إذا غَرقَت سَيَلقَى مَصرعَه