شُدي جِراحَكَ فالعَوَاصِفُ مُوجِعَةْ
ودَعي الشَّهيدَ لكي يُعانِقَ مَضجَعَه
وامشي على جُثِثِ الرِّجالِ عَزيزةً
لم يَبقَ مِنَّا خَائنٌ أو إمَّعَه
ودَعي العَدَوَّ وقد تحطَّم بَأسُهُ
ليرى الحقيقةَ حينَ تَبلغُ مَسمَعَه
كلُّ الشُّعوبِ إذا تفاقَمَ جُرحُها
أبدت له كُلَّ الحُلولِ لتدفَعَه
إن ضَاقت الدُّنيا فجُهدُ رِجالِكم
صَنَعَ المُحالَ، وكُلَّ ضِيقٍ وَسَّعَه
شُدي الجِراحَ فقد تَمزَّقَ قلبُهُ
من عَزمِ شَيخٍ مَاتَ يَحملُ مِدفَعَه
هل أنكَرَ التَّاريخُ يوما سِرَّهُ
أو أخفتِ الأيَّامُ عنَّا مَوضِعَه!!
لن يُردعَ العُدوانَ أيُّ تَفاوضٍ
فمبادراتُ الصُّلحِ أضحت مضيعة
ما عاد لونُ النِّفطِ يُرضي شَوقَهُ
– مثلَ النفوذِ – ولا يُثيرُ تَطلُّعَه
لكنها الأحلامُ تَسلك دَربَهُ
وتدُقُّ من بابِ التمرُّدِ مَخدَعَه
مَرَّت جُموعُ اللاجئينَ ذَليلةً
ورِقابُهُم تَحتَ السُّيوفِ المُشرعَة
تتدافعُ الزفراتُ من أعمَاقِهِم
ودُمُوعُهم مثلُ الجَداولِ مُترعَة
عبثت بهم ريحُ الشِّتاءِ فكُلُّهم
مُترقِّبٌ للفجرِ يأمُلُ مَطلعَه
والموتُ يَختارُ الكِرامَ لِغَايَةٍ
وكأنَّهُ الجرَّاحُ يَحملُ مِبضَعَه
أنا ما كتبتُ الشِّعرَ يَومًا طالِبًا
صِلَةً – لأُطعِمَ أُسرتي – أو مَنفَعَة
أو مادِحًا ذا مَنصبٍ أو ضَيعَةٍ
لينالَ مِنِّي حينَ يَرفعُ إصبَعَه
لكنَّهُ مازال يُطفئ حَيْرَتي
ويُجيبُ عن كُلِّ الظُّنونِ المُفزِعَة
ويُزيلُ أوهامًا تَجَولُ كأنَّها
سُحُبٌ أطلَّت ثم عَادت مُسرعَة
يا شِعرُ أنتَ لِكُلِّ حُرٍّ لَعنَةٌ
أنا من رَعِيلٍ شِعرُهُ قد ضَيَّعَه
ياغزة الأبطالِ جُرحُك نَازفٌ
والحُزنُ بَاقٍ لم يُغادِر مَوضِعَه
والجُوعُ يَغتالُ الصِّغارَ كَأنَّهُ
وَحشٌ يُطارِدَ أرنبًا لن تُشبِعَه
واليأسُ يَفتكُ بالبريَّةِ كُلِّها
والعَجزُ يَكتنفُ الحُدودَ الأربَعَة
والعَينُ تَغلبُها الدُّموعُ إذا رَأت
طِفلاً يُواجِهُ بالحَصَاةِ مُدَرَّعَة
يَعدو بِلا نَعلينِ نَحوَ مَصيرِهِ
والضَّعفُ أوشَكَ أن يُمَزِّقَ أضلُعَه
ورِفَاقُهُ يَتقافَزونَ كَأنَّهُم
غٍزلانُ تَركُضُ في سُهُولٍ مُسبِعَة
كُلٌّ يُدافِعُ عن حِمَاهُ وأرضِهِ
حَتَّى يُلاقِيَ بَعدَ حينٍ مَصرَعَه
يا أمَّةً مَلَكَ الدُّهَاةُ زِمَامَها
ليُقيمَ فيها كُلُّ حَاوٍ مَرتَعَه
تُقضَى الأمورُ بِغيرِنا وكأنَّنا
خُشُبٌ – تُنَحَّى جَانِبًا – أو أمتِعَة
تَمضي الحياةُ، وكلُّ عَامٍ يَنقَضَي
تُزري بنا الدُّنيا وتُوسِعُنا ضِعَة
ذَهَبَ الحَيَاءُ من الوجُوهِ جَميعِها
ومُروءةُ الأحرارِ قد غَابت مَعَه
والحَقُّ أبقَى من مَطامِعِ عُصبَةٍ
بِخُرافةِ التلمودِ بَاتت مُولَعَة
ما ضَاعَ يَومَاً بالسِّلاحِ فَلَن تَجد
غَيرَ السِّلاحِ وَسَيلةً كي تُرجعَه