تواصل الطائرات الحربية الإسرائيلية شنّ غاراتها المكثفة على قطاع غزة، بالتزامن مع عمليات برية محدودة، وسط تصاعد التحذيرات الدولية من كارثة إنسانية غير مسبوقة تهدد أكثر من مليوني فلسطيني محاصرين في القطاع.
وقال الدفاع المدني الفلسطيني صباح اليوم إن الغارات الجوية التي نفذتها قوات الاحتلال خلال الليل وحتى فجر الثلاثاء، أسفرت عن استشهاد ما لا يقل عن 30 مواطنًا، بينهم نساء وأطفال، نتيجة استهداف منازل سكنية في مخيم النصيرات وسط القطاع. وأكدت الطواقم أن معظم الضحايا سقطوا تحت أنقاض منازلهم، في ظل شحّ في المعدات وصعوبة الوصول للمواقع المستهدفة.
مساعدات مشلولة وفوضى مفتعلة
فيما يتفاقم الوضع الإنساني، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن 87 شاحنة مساعدات دخلت يوم الاثنين، لكنها تعرضت للنهب بسبب “فوضى يكرّسها الاحتلال”، مشيرًا إلى أن الجيش الإسرائيلي يتعمد قصف نقاط تأمين المساعدات، ما أسفر عن مقتل 11 فلسطينيًا.
وأضاف المكتب أن الاحتلال يسمح بدخول المساعدات “تحت حماية عصابات”، معتبرًا ما يحدث “هندسة مجاعة متعمدة”، عبر خلق حالة من الفوضى والنهب تمنع المحتاجين من الحصول على الغذاء والدواء.
وفي المقابل، اتهم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، حركة “حماس” بـ”سرقة المساعدات والاعتداء على السائقين”، على حد تعبيره، مضيفًا أن “الآلية الجديدة للمساعدات مصممة لتجاوز حماس التي تحاول تعطيلها”.
تحركات دولية واستجابة أوروبية
في سياق الجهود الدولية، أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرتس عن إنشاء “جسر جوي إنساني” مع الأردن، لإيصال المساعدات إلى غزة، بدعم من فرنسا وبريطانيا. وقال ميرتس، خلال استقباله ملك الأردن، إن الهدف هو مواجهة “مستويات مقلقة من سوء التغذية”، داعيًا إسرائيل لتحسين الوضع الإنساني فورًا.
وفي بروكسل، تناقش الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اقتراحًا بتعليق تمويل بعض المشاريع الإسرائيلية ضمن برنامج “هورايزن” للأبحاث، بسبب “انتهاكات إنسانية خطيرة”. كما أعلنت هولندا حظر دخول الوزيرين الإسرائيليين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، متهمة إياهما بالتحريض على العنف.
تحذيرات من مجاعة وكارثة
حذّر “المرصد العالمي للأمن الغذائي”، التابع للأمم المتحدة، من أن “أسوأ سيناريو مجاعة يتحقق الآن في غزة”، معتبرًا أن عمليات إنزال المساعدات جواً غير كافية، وأن “الإدخال البري للمساعدات هو الأكثر أمانًا وفعالية”.
بدوره، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجود “مجاعة حقيقية في غزة”، معلنًا عن خطة لإنشاء مراكز توزيع طعام بإشراف دولي. كما أثنى على جهود رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في ملف الرهائن، رغم إشارته إلى “تعنّت حماس” في الإفراج عن المحتجزين.
وفي ذات الاتجاه، أعلن ستارمر أن بريطانيا تدرس الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين ضمن خطة سلام شاملة، مشددًا على ضرورة استبعاد حماس من أي حكومة فلسطينية مستقبلية.
مؤتمرات دبلوماسية لحل الدولتين
شهدت نيويورك مؤتمرًا أمميًا مشتركًا نظمته السعودية وفرنسا لإعادة إحياء حل الدولتين، وسط مشاركة عربية واسعة. وأكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أن بلاده لن تقبل بأي تسوية دون قيام دولة فلسطينية مستقلة، مشيرًا إلى ضرورة وضع مسار واضح وزمني لإنهاء الاحتلال.
كما شدد وزراء خارجية مصر والأردن وقطر على أن العدوان الإسرائيلي المستمر يقوض كل فرص السلام، داعين إلى وقف فوري للقتال، وتوفير ممرات آمنة لدخول المساعدات، وإطلاق جهود إعادة الإعمار.
منظمات إسرائيلية: “إسرائيل ترتكب إبادة جماعية”
في تطور لافت، اتهمت منظمتا “بتسيلم” و”أطباء من أجل حقوق الإنسان” الإسرائيليتان، الحكومة الإسرائيلية بارتكاب “إبادة جماعية ممنهجة” في غزة. وأكدت المنظمتان، خلال مؤتمر صحفي بالقدس، أن الجيش الإسرائيلي طوّر نظامًا يستهدف تدمير البنية السكانية والمجتمعية للفلسطينيين.
في المقابل، نفى المتحدث باسم رئيس الحكومة الإسرائيلية هذه الاتهامات، وقال إن “الجيش يستهدف الإرهابيين فقط”.
غزة تختنق
وسط استمرار العدوان، تفيد تقارير محلية ودولية بأن ثلث العائلات في قطاع غزة لا يجدون طعامًا ليومين متتاليين، فيما تواجه المستشفيات شللًا شبه كامل نتيجة الحصار وتدمير البنى التحتية. ويتوقع خبراء أن استمرار الوضع على هذا النحو قد يقود إلى انهيار شامل للمنظومة المدنية في القطاع خلال أسابيع.
ويُذكر أن العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 7 أكتوبر 2023، أسفر عن استشهاد أكثر من 59,900 فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وإصابة أكثر من 145,000 آخرين، في حصيلة مرشحة للارتفاع مع استمرار الغارات، ووجود آلاف الضحايا تحت الأنقاض.