في ظل تصاعد الحديث عن قرب التوصل إلى صفقة تبادل أسرى بين حماس وإسرائيل، تبرز عدة تحليلات سياسية تسلط الضوء على الخلفيات والدوافع الحقيقية وراء مواقف الطرفين، وتعكس ما هو أبعد من مجرد تبادل بشري، بل صراع إرادات ومعادلات إقليمية شديدة الحساسية.
من وجهة نظر تحليلية، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو تتعامل مع ملف الأسرى باعتباره جزءًا من معركتها السياسية الداخلية، لا فقط الأمنية. فنتنياهو يدرك أن تقديم تنازلات كبيرة لحماس – كإطلاق سراح أسرى محكومين بالمؤبد – قد يضعف موقفه أمام تحالفه مع اليمين المتشدد،
خاصة وزراء مثل بن غفير وسموتريتش الذين يرفضون أي اتفاق “يُكافئ الإرهاب”، على حد تعبيرهم. ولهذا، فإن نتنياهو يراوغ ويماطل، ويحاول ربط الصفقة بتوقيت سياسي مناسب يعيد له زمام المبادرة داخليًا، وفق تحليل لمجلة فورين أفيرز.
على الضفة المقابلة، تسعى حماس إلى استخدام ورقة الأسرى ليس فقط لأهداف إنسانية أو داخلية، بل لإعادة تموضعها سياسيًا بعد أشهر من العدوان المدمر. فالحركة، التي تعرّضت لضغوط شعبية غير مسبوقة في غزة بسبب الوضع الكارثي، ترى في صفقة مشرفة فرصة لإثبات أنها “خرجت قوية” رغم الدمار.
وأنها لا تزال قادرة على فرض شروطها وقيادة القرار الفلسطيني، خاصة في ظل تراجع دور السلطة الفلسطينية. وتحاول الحركة أن تربط الصفقة الكبرى باتفاق تهدئة شامل يعيد إعمار غزة، ويفرض وقفًا دائمًا لإطلاق النار، ويُخرج القوات الإسرائيلية من القطاع، بحسب تحليل نُشر في مجلة ميدل إيست آي.
إقليميًا، تلعب قطر ومصر دورًا محوريًا في الوساطة، لكن التحليلات تشير إلى أن لكل طرف حساباته الخاصة. فمصر ترغب بصفقة تُعيد لها دورها القيادي التقليدي في الملف الفلسطيني وتمنع فوضى أمنية على حدودها، بينما تسعى قطر لتعزيز صورتها كوسيط نزيه وفاعل في القضايا الإقليمية الحساسة، خاصة في ظل تراجع أدوار لاعبين تقليديين آخرين مثل تركيا والسعودية.
ووسط كل ذلك، يظهر الدور الأميركي من خلال تصريحات ترامب وغيره كجزء من حملة سياسية لا تخلو من الطموحات الانتخابية، وفق تحليل نشرته صحيفة واشنطن بوست.
في العمق، يرى بعض المراقبين أن صفقة الأسرى هي بروفة سياسية مبكرة لما قد يكون اتفاقًا إقليميًا أوسع، يشمل مستقبل غزة بعد الحرب، وطبيعة الحكم فيها، وشكل العلاقة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل،
وربما حتى ارتباطات مع ملفات التطبيع الإقليمي. بمعنى آخر، فإن مصير الأسرى قد لا يُحسم فقط في غرف التفاوض، بل في معادلات النفوذ المقبلة على مستوى المنطقة بأكملها، بحسب تحليل لمعهد كارنيغي للشرق الأوسط.
في المحصلة، فإن صفقة الأسرى لم تعد مجرد مسألة تبادل أسماء، بل باتت مرآة لصراع سياسي داخلي في إسرائيل، وورقة قوة لحماس، وميدانًا لتصفية حسابات إقليمية ودولية. وكل تأخير في الحسم يعكس حجم التشابك السياسي خلف الكواليس، ويُنبئ بأن ثمن هذه الصفقة – سياسيًا – سيكون أعلى من أي صفقة سابقة في تاريخ الصراع.