بحوث ودراسات

فاتن فاروق عبد المنعم تكتب: القدس.. ملتقى الأنبياء (5)

نظرة استشراقية للفتوحات الإسلامية:

بعد الحديث عن حادثة الإسراء والمعراج هبطت كارين على الأرض للحديث عن حروب الردة التي قادها أبو بكر الصديق، ثم تناولت الحديث عن الفتوحات الإسلامية فقالت إنها تمت بدوافع دنيوية بحتة فلا يوجد نص في القرآن يدعو إلى تلك الفتوحات.

ولنا هنا وقفة:

حروب الردة كانت بالأساس ضد الذين امتنعوا عن دفع الزكاة وليس رفض الدين بالكلية ولكن أبو بكر اعتبرها ردة، ربما استشعر نفاقهم للدولة الإسلامية الوليدة، وهذا ليس غلو من أبي بكر فصدمة وفاة النبي كانت قاصمة في الظهور وعلى كل المستويات وكان عليه ألا يتهاون وإلا ضاع الدين ومن ثم الأمة.

انتقدت كارين الفتوحات الإسلامية كعموم المستشرقين الذين إرتاوا أنها كانت بدوافع دنيوية وليست استجابة لتعاليم قرآنية، وقد سبق أن تناولت هذا الأمر ورددت على هذه الترهات.

أما عن الآيات الحاضة على الفتوحات فهي كثيرة جدا منها على سبيل المثال (وهذا ما نراه بأم أعيننا الآن في غزة):

﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ المائدة 23

عن عمر بن الخطاب الذي تسلم مدينة أورشاليم تقول كارين:

“ولابد أن مظهر عمر قد بدا متنافرا مقارنة بالبيزنطيين الذين كانوا يرتدون ملابسهم الفخمة، فقد دخل المدينة على ظهر بعير أبيض بملابسه الرثة المعتادة والذي رفض أن يستبدلها احتفاء بتلك المناسبة، وقد شعر بعض المراقبين المسيحيين أن الخليفة لابد وأن يكون على درجة من النفاق! بعد أن لاحظوا بقدر من عدم الارتياح أن الخليفة المسلم قد حسد المثل المسيحي “للفقر المقدس” بدرجة من الإخلاص تفوق مسئوليهم.

عبر عمر أيضا عن مبدأ التراحم التوحيدي أكثر من أي ممن فتحوا أورشاليم قبله، ربما الملك داوود (نبي الله داوود عليه السلام)، فقد أشرف على أكثر غزو للمدينة سلاما، ودون أي إراقة للدماء، لقد كان فتحا لم تشهد مثله المدينة في تاريخها الطويل والمأساوي في غالب الأحوال، فبمجرد أن استسلم المسيجيون لم يحدث قتل أو تدمير للمتلكات أو إحراق للرموز الدينية المنافسة، وأيضا لم يكن هناك طرد للسكان أو نزع للملكية، أو محاولة لإجبار السكان على اعتناق الإسلام، ولو أخذنا احترام سكان المدينة السابقين معيارا لسلامة وقوة العقيدة التوحيدية (الإسلام) يمكننا القول هنا إن الإسلام قد بدأ ولايته الطويلة هناك بداية حسنة جدا.

كلنا يعرف القصة الشهيرة لرفض عمر الصلاة في الكنيسة خوفا من أن يأخذها المسلمون ويحولوها إلى مسجد، وصلى على الدرجات بجانب طريق مكسيموس وكتب صكا يمنع بصلاة المسلمين على هذه الدرجات أو بناء مسجد هناك، ولكنه صلى في كنيسة النيا فيما بعد وأكد على أن تظل أملاكا مسيحية.

 هذا ما قالته كارين عن عمر بن الخطاب ومثلها مستشرقون كثر، فإن كان هذا هو سلوك البدو الأجلاف، الإرهابيون، الظلاميون، المتخلفون، فإن ما تراه أعيننا الآن من سلوك ذوي «الحضارة الزاهرة» ينبئ بأنهم كائنات لم ترقى مرقى البهائم بعد.

 ولكنني لا أفهم قول المراقبين المسيحيين الذي ارتأوا مظهر عمر هو نوع من النفاق، فعمر الذي جاء عليهم منتصرا لماذا ينافقهم؟ هل هذا منطق؟!!

(هل تذكرون ما فعل بالأندلس وفلسطين والفلبين والروهينجا بالصين……وغيرهم كثير)

العهدة العمرية:

عام 636م، 15هـ كتبت وشهد عليها: خالد بن الوليد، عمرو بن العاص، عبد الرحمن بن عوف، معاوية بن أبي سفيان، عمر بن الخطاب.

هذه الوثيقة أصدرها فرسان من صفوة وخيرة الرجال قديما وحديثا، لذا هي من الرقي والعدل ما يفوق أي تصور، ولم تفتأ كارين تذكر أن المسلمين الفاتحين لم يجبروا أحدا على اعتناق الإسلام، بل إن الفتح كان في القرن السابع الميلادي ولم يقبل سكان المدينة على اعتناق الإسلام إلا بعد القرن الثامن أي بعد مائة وخمسين سنة، وهذا كان دأب المسلمين في كل البلاد التي فتحوها، وهو سلوك الأسوياء الطبيعيين، فالإتيان لأمر ما بحب واقتناع يجعل الفرد المسلم يفتديه بأعز ما لديه، وعلى الجانب الآخر يحقق الأمن والسلام الاجتماعي والاستقرار المنشود، فالإكراه والاستكبار والقهر إجراءات كفيلة بخلق كيانات موازية تهدد وجود القائمين على الأمر.

بناء المسجد الأقصى:

إن الدين عند الله الإسلام، ما يعني أنه دين كل الأنبياء، فلا غرو أن سيدنا إبراهيم هو أول من بناه وفي بعض الروايات أول من بناه كان آدم، ولكن لنأخذ بأكثرها شيوعا وهو أن سيدنا إبراهيم هو أول من بناه ومن بعده قام ابنيه إسحق ويعقوب برعايته قبل الميلاد بألفي عاما ثم بناه عمر بن الخطاب عام 636م وفي ذلك تقول كارين: أن خروج المسلمين للمدينة كان هجرة بينما خروجهم إلى فلسطين كان يمثل تحديا لعقيدتهم نظر للفرق الحضاري بين البلدين فكان عليهم مواجهة هذا الإرث الضخم بما فيه العقائد الوثنية ذلك أن دخولهم فلسطين كان بمثابة عودة إلى مدينة آبائهم في العقيدة، وأنه آن الأوان للإسلام أن يحفر له وجودا فيزيائيا في تلك الموروثات القديمة بطريقة تمثل استمرارية وتكامل الرؤية الإسلامية.

كان المسيحيون منذ الاحتلال الفارسي الذي سمح لليهود بالتعبد على دكة هيرود قد أحالوا المعبد (المسجد الأقصى الذي بناه سيدنا إبراهيم) إلى مقلب للقمامة فلما بلغ عمر بوابات المعبد القديمة المتهالكة انتابه الفزع بسبب القاذورات التي كانت تحيط بالحرم إحاطة تامة لدرجة أنها بلغت سقف المدخل فكانت صدمة المسلمين بالغة وانتقاما لما فعله المسيحيون بالحرم أطلق المسلمون على كنيسة القيامة كنيسة القمامة انتقاما لما فعلوه بالحرم، ولم يضيع عمر الوقت بعد أن استوعب الصدمة فأخذ يحمل حفنات من الروث وكسارات الحجارة في عباءته ثم أطاح بالقمامة من أعلى الحائط إلى وادي هنوم وسرعان ما تبعه مرافقوه، وبعد رفع القمامة بنى المسلمون المسجد عند الحافة الجنوبية لدكة هيرود وتصف كارين المسجد الأقصى بأنه كان بناء خشبيا متواضعا يتماشى مع مبدأ تقشف المسلمين والذي يظهر هوة سحيقة مع محيطه من موروث الروم الفخيم، أما الذي اعتنى بإعادة بناء فخيم للمسجد كان الأمويون في عهد الوليد بن عبد الملك.

الجزية:

تحدثت كارين عن الجزية التي فرضها الفاتحون الجدد مقابل الحماية العسكرية للأقليات الدينية، فكانت كل أسرة تدفع دينارا كل عام بينما يدفع الحجاج المسيحيون دينارين إذا وفدوا من خارج الدولة الإسلامية، ثم تنتقد كارين ما أحدثه الأجيال التالية من المسلمين والذي يتقاطع مع سماحة الفاتحين الأول.

(تحمل الأخطاء على المسلمين كبشر ولا تحمل على الإسلام كدين كما يفعل الناعقون من المنافقين في إعلام الرايات الحمر)

وللحديث بقية إن شاء الله

فاتن فاروق عبد المنعم

كاتبة روائية وعضو اتحاد كتاب مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى