فاتن فاروق عبد المنعم تكتب: بقعة ضوء (19)
فتح بلاد السند:
في أوائل القرن الثامن الميلادي تحت قيادة الحجاج بن يوسف الثقفي الذي أرسل حامية عسكرية بقيادة محمد بن القاسم الثقفي، كان الحجاج يطلب من الأخير أن يرسم له خريطة لنهر السند حتى يستطيع أن يقدم له المشورة، وعلى الجانب الآخر كان العرافون والحكماء بالهند قد تنبأوا بالفتح الإسلامي وأن عليهم أن لا يقاموا لأن الغلبة ستكون للمسلمين، كانت للعرب علاقات تجارية متنامية مع الهند قبل الإسلام، هذه البلاد هي صنعة نهر الهندوس كما أن مصر صنعة نهر النيل، بلاد السند في الأطراف بالتالي بعيدة عن سيطرة الإمبراطورية الساسانية، ومن خلال التجارة الممتدة بين هذه البلاد والعرب من قبل الإسلام وطبقا لما أورده كينيدي فإن شرارة بدء الفتوح الإسلامية كانت للقضاء على القراصنة الذين يعترضون التجارة الممتدة بين العرب والهند، ورغم نبل المقصد بمجرد التطلع الأول له إلا أنه يبطن استصغار الهدف الذي من الممكن أن يقوم به كل سليم الصدر والطوية، ولو كان هذا فقط هو مقصد المسلمين وهذا هو المسوغ الذي دفعهم إلى أدغال ومجاهيل آسيا لوصفهم كينيدي نفسه بالحمق والرعونة، ذلك لأن خوض الصعاب والمخاطر لا يكون لأجل هدف صغير على أهميته ولكن وبالقطع لابد أن يكون الهدف أكبر وأعلى من محدودية ما ذكر ألا وهو فتح هذه البلاد، ولأن البعض ممن أكل وشرب على رؤوسهم المستشرقون يقولون وهل كانت قبل المسلمين مغلقة!!، كلمة فتح تعني تبليغ الدعوة التي من أجلها أرسل الله الأنبياء والرسل، كي ينقل البشر من عبادة البشر والحجر والشجر والكواكب والنجوم أو حتى الذين لا يؤمنون بوجود إله إلى عبادة الإله الحق الواحد الأحد، إنه الفتح بكلمة الله لمحو الكفر والشرك بأنواعه.
جزيرة الياقوت (سريلانكا):
أرسل ملك هذه الجزيرة للحجاج جثث بعض بنات تجار المسلمين متن على أيدي القراصنة، وبعضهن تم سبيهن، فأرسل الحجاج حملتين عسكريتين فقضى عليهما القراصنة وتم قتل قاداتهما، فأرسل الحجاج حملة أكبر بقيادة محمد بن القاسم الثقفي (من قبيلته وكان شابا في السابعة عشر من العمر) بجيش مجهز من شيراز جنوب إيران حديثة الانضمام للأراضي الإسلامية وتم ضم ستة آلاف من الجنود المحترفين بالشام مجهزين بالأسلحة والإمدادات، عندما صعد جنود محمد القاسم أسوار مدينة نيرون الحصينة واستولوا عليها هرب حاكمها وأثناء دخول محمد القاسم المدينة قابله اثنان من الرهبان البوذيين عقدا معه معاهدة صلح وزودوه بالمؤن، وأثناء سيره تكرر هذا الأمر كثيرا مع رهبان آخرين «باعتبارهم صناع سلام» حسب وصف كينيدي!!
أما مدينة سيوسيتان فقد حدث بها انقسام، فكان البوذيون في جانب وحاكم القلعة الهندوسي في الجانب الآخر، وأخبر البوذيون قائد القلعة أنهم لن يحاربوا المسلمين لأن «ديانتهم ديانة سلام» ومذهبهم النية الحسنة تجاه الجميع، ولن نكون مع إراقة الدماء أبدا وأنهم يخشون أن يظن العرب بهم أنهم من أنصار الحاكم فيهاجموهم، ثم أرسلوا إلى العرب الفاتحين يقولون لهم أن كافة العمال والفلاحين وعوام الناس قد انفضوا عن الحاكم الذي هرب.
ولنا هنا وقفة:
أثنى المستشرق الإنجليزي هاملتون جب كثيرا على الهندوسية كتعاليم وأخلاق وما بها من روحانيات تحقق السلام الداخلي للإنسان وتحقق الروحانيات المطلوبة.
وهذا محض افتراء وبهتان يسيء لقائله، ذلك أن الرهبان البوذيين ذوي الشمائل آنفة الذكر الذين رفضوا محاربة المسلمين عند دخول بلادهم، هم أنفسهم الذين يرتكبون المخازي ضد المسلمين في كل من مسلمي الروهينجا بالصين، والهند مثل حرق المسلمين أحياء، وذبحهم والتمثيل بجثثهم وهو أحياء، ولماذا يغض الطرف عن الراهب البوذي بميانمار الذي قطع ثديي امرأة مسلمة ثم تركها تنزف وحدها بالعراء ولم تستطع التواصل مع أحد حتى ماتت والنماذج عصية عن الحصر، ومراقبة المسلمين والتضييق عليهم وعدم السماح لهم بصوم رمضان ولا بالزواج قبل سن التاسع والعشرين وغيرها الكثير والكثير.
أما فعل الرهبان الذين كانوا في زمن العرب الفاتحين فلم يكن من قبيل أن دينهم دين سلام وإنما لأنهم كانوا في حالة من الضعف والتفكك لا تتيح لهم مقاومتهم، في المقابل جيش المسلمين كان منظما مقداما، وكان من القوة والمنعة ما لا يتيح لعدوهم القدرة لى مجابهتهم، وهكذا العالم لا يعترف ولا يحترم إلا القوي في كل زمان ومكان، وما مواثيق الأمم المتحدة علينا ولا مؤسسات حقوق الإنسان إلا فرية قذرة من فريات النظام العالمي الشيطاني الآني، فمثل هذه المزايا هي لغير المسلمين أما هذا النظام الجائر المتغول فالمذابح والتجويع والإفقار والتعطيش والتضييق على المسلمين فقط لأنهم مسلمين حيثما كانوا وحيثما وجدوا يتم بمباركة مؤسساته ورعايتها ودعمها المطلق لمن ينكل بهم بل وأحيانا يطلقون هم أنفسهم شرارة البدء.
حرب الأفيال:
تلك البلاد البعيدة، بلاد العجائب لم تكن الحرب على أرضها مجانية وإنما زلزل المسلمون فيها زلزالا شديد، ودائما وأبدا الرهان على قوة الإيمان وسلامة القلوب، تزعم الملك داهر مقاومة جيش المسلمين، على رأس جيش جرار فوق ظهور الأفيال، ودارت رحى المعارك حتى انتصر جيش محمد القاسم وقتل الملك داهر داخل هودجه الذي كان يحارب من داخله، وكان معه في الهودج جاريتان قامتا مع جملة من جواري الملك الصريع وزوجاته وأخواته بحرق أنفسهن مع خدمهن وكل ممتلكاتهن في أحد البيوت حيث أشعلوا النيران في أنفسهن أحياء حتى لا تقعن في الأسر، ووقعت أخريات في الأسر تم إرسالهن للحجاج حيث تم بيعهن.
بعد استتاب الأمن أعدم العسكريين وعقد محمد القاسم مع الصناع والتجار والحرفيين البراهمة معاهدة صلح مع عوام الناس فلم يسلكوا ما يستفزهم في حيواتهم وما اعتادوه من سلوكيات توارثوها كي يتفرغ لبناء الدولة الوليدة.
طائفة الجات أو الزط:
فئة منبوذة بالهند يتسمون بالغلظة والخشونة والخسة والحقارة كما أنهم قطاع طرق، بالطبع انحسر نشاطهم السيئ وسيرتهم وسلوكهم بعد الفتح حتى وصفهم كينيدي بأن الفتح لم يجلب لهم أية منافع على الإطلاق، بعكس البراهمة والبوذيين الذين تعامل معهم محمد القاسم بتسامح طالما يدفعون الجزية.
مدينة الرور:
ثاني أكبر مدن السند، قاد مقاومة جيش محمد القاسم فوفي ابن داهر الذي كان يعتقد وهو وعوام المدينة أن داهر لم يمت وأنه سرعان ما سيعود لإنقاذهم حتى عندما ظهرت زوجته لادي وأكدت لهم أنه مات اتهموها بأنها تتآمر مع أكلة البقر(المسلمون) وسقطت المدينة وتلاها مدينة الملتان.
استمر محمد القاسم ثلاث سنوات ونصف فلما مات الحجاج وأعقبه الخليفة الوليد ابن عبد الملك أصدر الوالي الجديد أمرا بضرورة عودته إلى العراق حيث تم سجنه وتعذيبه حتى مات بالسجن، وهو من كان يستحق ما هو أفضل من ذلك شأنه في ذلك شأن قتيبة بن مسلم في خرسان، وموسى بن نصير فاتح الأندلس، وهكذا تلك النهاية الطبيعية لقادة فرسان تكتب أسمائهم بماء الذهب ولكنه «الملك العضوض» فالخليفة القابض على السلطة كان يتوجس خيفة من منافس ما له سيرة تسبقه حيث توجه، فارس ذو أياد بيضاء، له بصمة لا تخطئها العين، وهذا كان من أجل عيوب الدولة الأموية، لذا ارتكسوا وتنكبوا
وللحديث بقية إن شاء الله