فايننشيال تايمز : كيف حافظت حماس علي وجودها العسكري والمدني في شمال غزة ؟
استغربت صحيفة الفايننشيال تايمز البريطانية بشدة محافظة حركة المقاومة الإسلامية علي وجودها العسكري في شمال قطاع غزة رغم مرور اكثر من عام علي القصف الاسرائيلي علي جميع المناطق في القطاع .
وقالت الصحيفة البريطانية في تقرير لها :منذ أن فر يوسف وعائلته لأول مرة من مدينة غزة في وقت سابق من هذا العام، كان مصدومًا من مدى بقاء حماس سليمة إلى حد كبير.
وأشارت إلي يوسف، مهندس برمجيات علماني شجع زوجته على عدم تغطية شعرها، لم يكن من محبي الإسلاميين الذين حكموا غزة لما يقرب من عقدين من الزمن كحركة اجتماعية ودينية وعدت بالتحرر من الاحتلال الإسرائيلي وكمجموعة متشددة مستبدة لا تتسامح مع المعارضة وفق زعم الصحيفة البريطانية .
وأضافت بحلول الوقت الذي فر فيه يوسف، كانت القوات الإسرائيلية قد استعادت بالفعل جزءًا كبيرًا من غزة من الجناح العسكري لحماس، مما أسفر عن مقتل الآلاف من مقاتليها، وسرعان ما اغتالت الزعيم يحيى السنوار. ويعتقد المسئولون الإسرائيليون الآن أنهم دمروا جزءًا كبيرًا من القوة العسكرية للمجموعة.
واستدركت الصحيفة البريطانية قائلة :ولكن ما تبقى من حماس، كما يظهر من رحلة يوسف عبر مخيمات النازحين في رفح ودير البلح، سيكون من الصعب تدميره. وقال يوسف، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، في مقابلة هاتفية من الخيمة التي يعيش فيها الآن مع زوجته وطفليه وعمة مسنة: “إنهم يحاولون حكم الأنقاض”. “في كل مكان هناك رائحة حماس”.
ومضت للقول :عندما كان يحتاج إلى بطانيات ومساحة في أحد المخيمات، قيل له أن يتحدث إلى موظف في وزارة التنمية الاجتماعية الذي تعرف عليه كقائد محلي لحماس من شمال غزة. وفي المساء، كان الأئمة – الذين تم تعيين معظمهم بالتشاور مع حماس – يحاولون اصطحاب الرجال للصلاة في المساجد المدمرة القريبة.
وأشارت الصحيفة إلي أنه عندما حدثت موجة من السرقات شملت المجوهرات والهواتف المحمولة والنقود في مأوى آخر، تم تقديم الشكاوى إلى شرطي محلي بملابس مدنية من خان يونس، وهي مدينة كانت تُعتبر معقلاً لحماس في السابق.
وفي غضون يوم أو يومين، بدأت مقاطع فيديو بالانتشار على قناة تليغرام تابعة لحماس تُظهر اللصوص المزعومين وهم يتعرضون للضرب، مما يُظهر كيف تحاول بقايا وزارة الداخلية التابعة لحماس الحفاظ على مظهر من القانون والنظام. عاد الشرطي مع حقيبة من الهواتف.
قال يوسف عن مسئولي حماس المحليين: “لن يذهبوا إلى أي مكان”، مشيرًا إلى أنه حتى طلب من زوجته تغطية شعرها وادعى الصلاة. “إنهم هنا، ينتظرون انتهاء الحرب”.
بدورهم يقول المسئولون الإسرائيليون إن حملتهم قد دمرت 23 من أصل 24 كتيبة تابعة لحماس، مما أدى إلى تحويلها من مجموعة عسكرية منظمة قادرة على إطلاق آلاف الصواريخ وصولًا إلى تل أبيب إلى خلايا صغيرة تعمل بأسلوب حرب العصابات. ويبدو أنهم يعملون بشكل مستقل ويحاولون إعادة التجمع بطرق مفاجئة، بما في ذلك مؤخرًا في مخيم جباليا للاجئين في شمال غزة.
لكن حماس وفقا للفايننشيال تايمز ، وهي حركة سياسية مستوحاة من جماعة الإخوان المسلمين، كانت دائمًا أكثر من مجرد قوة شبه عسكرية مخيفة، وهي جزء من النسيج الاجتماعي الفلسطيني الذي أدار بشكل رسمي وغير رسمي مجموعة متنوعة من الوزارات والخدمات الاجتماعية.
وأفادت أن ما تبقى الآن هو جزء ضعيف لكنه لا يزال مرنًا من هذه الدولة. بعد طرد منافستها الفلسطينية فتح من غزة في مواجهات دموية عام 2007، ذهبت العديد من الوظائف في الوزارات التي تقدم الخدمات الاجتماعية لأشخاص تربطهم علاقات سياسية – وليست عسكرية – بحماس، مما سمح للمجموعة بالتعمق في إدارة شؤون الحكم.
وعادت الصحيفة البريطانية للقول :اليوم، على الرغم من أن مكاتبهم قد تعرضت للقصف وموظفيهم تشتتوا، فإن من بقي منهم يدير شكلًا مستنزفًا وغير فعال ولكن يمكن تمييزه من الحكومة، بينما يتحول الجناح العسكري المحطم إلى حركة حرب عصابات.
و في مقابلات، وصف فلسطينيون من غزة مثل يوسف ومسئولون عسكريون إسرائيليون ومحللون ما تبقى من حماس بأنه لاعب قوي في أنقاض غزة، يستعد للعودة بمجرد انسحاب إسرائيل.
وقال عمر شعبان، مؤسس مركز بال-ثينك للدراسات الاستراتيجية ومقره غزة: “إنهم حركة، لديهم مؤسسات – سيستغرق الأمر وقتًا للتعافي، لكنهم لن يُحذفوا”. “بالطبع، لا يمكنهم السيطرة على المجتمع وتقديم الخدمات كما هو متوقع، لكنهم ما زالوا موجودين ويحاولون الحفاظ على بعض أدوارهم في الحياة المدنية”