لا ينبغي التعامل مع زيارة عباس عراقجي للقاهرة على أنها زيارة عادية في إطار العلاقات الثنائية بين الدولتين. تقديري أنها تأتي في خضم ظروف إقليمية تضغط لعزل مصر وتقزيم دورها الإقليمي، وأن مصر تباطأت أكثر من اللازم في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع طهران.
قد تؤدي هذه الزيارة إلى إعادة العلاقات التي قطعتها إيران عام 1979 عقب توقيع اتفاقية كامل ديفيد.
كان العائق الذي يمنع القاهرة هو العلاقات الخليجية الإيرانية المتأزمة. لم يعد هذا العائق موجوداً بعد استعادة العلاقات بين طهران وكل من الرياض وأبو ظبي على مستوى السفارات.
كل من طهران والقاهرة ضرورية وهامة للأخرى في إقليم الشرق الأوسط، منذ علاقة النسب الشهيرة بينهما بزواج شاه إيران الراحل من الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق التي صارت بمقتضى هذا الزواج شهبانو أو إمبراطورة لإيران قبل طلاقهما.
تتزامن الزيارة مع وجود المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية وسيُعقد اجتماع ثلاثي يضمه مع الوزيرين المصري والإيراني، ويمكن اعتبار ذلك وساطة مصرية بينهما بعد التقرير السري الدي أصدرته الوكالة ويتهم إيران بزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم. ويبدو أن مصر دخلت كوسيط أيضاً في المفاوضات الجارية بين طهران وواشنطن، وتلقى وزير الخارجية المصري اتصالاً من ويتكوف، المبعوث الأمريكي، حول آخر تطورات المفاوضات.
الشرق الأوسط يعاد تشكيله حالياً. هناك اتفاقيات توقع، وإحلال وتجديد أشبه باتفاقيات سايكس بيكو مستحدثة.
مليارات خليجية ذات طابع سياسي تصب في سوريا، وانفتاح سوري على إسرائيل والولايات المتحدة، وخطاب تعلو نبرته بأن إيران هو العدو المشترك.
الشرع أجرى حواراً مع صحيفة «جويش جورنال» الأميركية، ليكون أول حوار مع وسيلة إعلامية يهودية منذ تسلمه السلطة قبل أقل من 6 أشهر، تناول فيه علاقة سوريا المستقبلية بإسرائيل، وقال: “لدينا أعداءً مشتركين، ويمكننا أن نلعب دوراً رئيسياً في الأمن الإقليمي».
الرياض أبرمت في العام الماضي اتفاقيات اقتصادية مع أثيوبيا لتصدير منتجاتها إلى السوق الأثيوبي وهي المستورد الأول للقهوة الأثيوبية، وشكلا مجلس أعمال سعودي أثيوبي لدفع التعاون الاقتصادي بينهما، ولابد أن القاهرة اهتمت بتأثير ذلك التعاون على نزاعها مع إثيوبيا بشأن سد النهضة وتدخلاتها في الصومال.
العواصم الكبرى لا تكتفي بالمشاهدة. إذاً طهران والقاهرة في حاجة للتقارب لإعادة رسم خريطة المنطقة في ضوء تلك التطورات.
لا نستبعد بغداد. رغم مشاغلها فهي في الأصل قوة إقليمية كبيرة اقتصاديا وبشريا ومن الممكن أن تتعافي بسرعة عسكرياً.. وتقع على نفس خط التقارب بين القاهرة وطهران وقامت مع سلطنة عمان بالوساطة بينهما خلال العامين السابقين.
تقول صحيفة طهران تايمز إن مصر وإيران تمتلكان نفوذًا يمكن استغلاله لتعزيز التعاون المتبادل، وخاصةً في القضايا الإقليمية المهمة مثل أمن البحر الأحمر، ولكن يجب على أي تقارب مصري إيراني أن يأخذ التوازنات الحساسة في الاعتبار، وأن يبني تفاهمات تدريجية دون الإضرار بعلاقات القاهرة الخارجية.
نجاح هذا المسار يعتمد على قدرة الطرفين على تبني نهج عقلاني يوازن بين المصالح الإقليمية والالتزامات الأمنية لكل منهما. ويأتي التقارب المحتمل في ظل بيئة دولية معقدة، حيث تتزايد الضغوط الأمريكية على إيران بسبب برنامجها النووي، بينما تواجه مصر تحديات اقتصادية وأمنية تستدعي تعزيز دورها الإقليمي. وبالتالي، يمكن أن يُمثل الحوار المصري الإيراني مدخلًا لاستكشاف فرص التعاون في مجالات كالاقتصاد والتجارة والطاقة، لا سيما في ظل العقوبات المفروضة على إيران، مما قد يدفعها إلى البحث عن شركاء جدد لتعزيز حضورها الاقتصادي.
ستسعى القاهرة لتحقيق مكاسب استراتيجية دون المساس بمبادئها الإقليمية. في المقابل، قد تجد طهران في هذا التقارب فرصةً لتحسين مكانتها الدبلوماسية وتوسيع سياستها تجاه جيرانها.
انخرطت مصر وإيران منذ عام 2021 في جهود سرية، ثم علنية، لاستعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بعد أكثر من أربعة عقود من القطيعة، وتبدو طهران الآن واثقة من إعادة فتح السفارات بالكامل.
هناك مستوى سابق من الحوارات بين العاصمتين، كان يعالج المخاوف المشتركة، مثل أمن البحر الأحمر وباب المندب، والعلاقات مع الحوثيين واستقرار العراق.
التطورات الجيوسياسية في الوقت الراهن تستلزم الذهاب إلى مستوى أكبر من العلاقات.. فإيران تعمل في الساحات الإقليمية التي تعمل فيها السياسة الخارجية المصرية بما في ذلك القرن الأفريقي مما يجعل التعاون بينهما في غاية الضرورة.
هناك فرص تعاون اقتصادي في قطاعي السياحة والاقتصاد بالإضافة إلى توسيع التجارة بين البلدين واستفادة القاهرة من النفط الإيراني عبر العراق، في حالة نجاح المفاوضات النووية الجارية حاليا بين طهران وواشنطن ورفع العقوبات الأمريكية، وما بتبع ذلك من استخدام إيران لقناة السويس.
القاهرة تجد في طهران ضلعا تحتاج إليه لاستعادة صحتها الإقليمية والتأكيد على أن كثيرا من أوراق اللعبة في يدها لموقعها الجغرافي والاستراتيجي والبشري والثقافي والحضاري، وطهران هي الأخرى لن تتخلى عن نفوذها كقوة إقليمية كبرى، وتستعد لإعادة ترسيخ مكانتها الاستراتيجية وإعادة بناء قدراتها الرادعة، باحثةً عن بدائل لتعويض خسائرها في سوريا ولبنان