لا ينبغي أن يكلف المتشيعون للشرع أنفسهم بنفي كل كلمة أو إيماءة أو تصريح ينسب إليه أو حوار يُجري معه كما هو الحاصل حاليا مع الحوار أو المقال، سمه ما شئت، الذي نشرته صحيفة جويش جورنال اليهودية الأمريكية لرجل الأعمال الأمريكي جوناثان باس المقرب من دونالد ترامب.
أحمد الشرع لم يطلب منهم هذا التكلف. ليس عيبا ولا يجب أن يؤخذ عليه جلوسه مع رجل أعمال يهودي وأن تنشر له صحيفة يهودية. لو جعلنا هذا الجانب سبباً للمؤاخذة، لوجب الامتناع عن مقابلة صحفيين كبار يدينون باليهودية، مثل توماس فريدمان أو أشهر فيلسوف وكاتب يهودي نعوم تشومسكي صاحب كتاب غزة في أزمة الذي يرصد الحرب الصهيونية على الفلسطينيين.
الحوار الذي يحاول بعض المتشيعين التبرؤ منه ينسب كاتبه إلى الشرع أقوالا منضبطة متزنة تدل على مهارته السياسية واطلاعه الواسع. ليس فيه ما يشين. لم يخض في موضوع التطبيع مع إسرائيل، لكنه تكلم عن مستقبل تحدده المتغيرات الإقليمية.
ليس مطلوبا منه إعلان حرب لا يمتلك مقوماتها، ولا ينتظر منه توريط سوريا الفقيرة المنهكة في صراع ينهي وحدة أراضيها ويهجر باقي شعبها إلى المنافي.
الكلام المنسوب له يدل على عمق ثقافي وفكر متطور يجاري فقه الواقع السياسي.. لو أعاد المتشيعون له قراءته بعمق وتأن، لكان ذلك سببا لفخرهم وليس فخاً عاطفيا ونفسيا يجرهم للإنكار والنفي والتبرير.
ليس في ماضي الشرع ما يستوجب الإنكار.. فقد تغيرت هويته من جولاني القاعدة وداعش وجبهة النصرة.. إلى أحمد الشرع رجل الدولة المتمرس سياسيا. من سجين في سجن أمريكي في العراق، ثم عشرة ملايين دولار مكافأة أمريكية لمن يأتي برقبته، إلى رئيس يجلس في مواجهة ترامب يتغزل الأخير في ذكائه ووسامته وشبابه.
هذا التحول الفكري والسياسي يحسب له، ولابد أن تكون لديه القدرة نفسها على تغيير خطابه وتوجهاته، وهو ما يقوم به بذكاء.
جوناثان باس الذي كتب الحوار أو المقال رجل أعمال بارز، الرئيس التتفيذي لشركة أرجنت للغاز الطبيعي في لويزيانا، له تريليون دولار من الأعمال التجارية في الولايات المتحدة.
وفي زيارته لدمشق التي قابل خلالها الشرع، كان يحمل تقديرات طموحة لإعادة بناء سوريا، ويسعى لمساعدتها على بناء مسار اقتصادي مستقبلي، وبرز في الآونة الأخيرة كوسيطٍ محتمل بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والحكومة السورية بقيادة الرئيس أحمد الشرع.
كان هو الوسيط الذي نجح في ترتيب لقاء الشرع مع ترامب في الرياض، فقد سبقها بزيارة دمشق والجلوس 4 ساعات كاملة مع الرئيس السوري، تمحورت حول مشاريع الطاقة وإعادة الإعمار.
ونقل الشرع -عبر باس- رسالةً إلى البيت الأبيض يطلب فيها لقاءً ترامب خلال زيارته لدول الخليج.
أوردت هذه المعلومات صحيفة «وول ستريت جورنال» التي نقلت في ذلك الحين عن مسؤولين بالحكومة السورية قولهم إن الشرع يحاول لقاء الرئيس الأميركي لمشاركة رؤيته لإعادة الإعمار على غرار خطة مارشال.
وحسب CNBC عربية التي أجرت حديثاً خاصاً مع باس وبثته في 11 مايو الماضي، أن هذا الرجل الذي كان يسعى لرفع العقوبات الأميركية عن سوريا، يقف على خط تماس دقيق، بين الطموحات الاقتصادية والتقلبات المختلفة، مُحاولاً اختبار فرص اختراق الجدار السميك من العقوبات والمواقف السياسية المعلنة، تمهيداً لما يراه فرصة تاريخية لتحويل سوريا إلى قصة نجاح أميركية جديدة، تُبعد النفوذ الشرقي وتفتح السوق السورية أمام رأس المال الغربي.
يقول باس: “بزيارة واحدة، نقلتُ رسائل إلى العالم أجمع.. وحملت سوريا إلى مركز نقاشات العالم”.
وهذا ما كرره حديث الشرع إليه ونشره في صحيفة جويش جورنال.