فك العلاقة بين المشروع الإيراني وبين القضية الفلسطينية هدف استراتيجي
مضر أبو الهيجاء
من نافلة القول إن معاركنا مشروعة في وجه الاحتلال، وأن الجهاد واجب قائم ودائم في حقنا حتى اقتلاع الكيان الإسرائيلي، وتفكيك المشروع الصهيوني الذي يستهدف عموم الأمة ولا يعنيه حقيقة شجر الزيتون ولا قبة الصخرة.
إن فلسطين لم ولن تتحرر من داخلها بل خارجها وشعوب الأمة من يحررها كما في كل حقب التاريخ، الأمر الذي يجعل دور الأمة واجبا دون أن يعفينا من الجهد الواجب علينا وما اختصنا الله به دون العالمين في فلسطين المباركة.
إن دورنا كفلسطينيين يبرز في جانبين واجبين، الأول مقارعة ومشاغلة العدو الإسرائيلي وعرقلة توسعه وتعويق نموه ومنع استقراره، والثاني تحريض المؤمنين والإبقاء على شعلة الجهاد متقدة في فلسطين، وهو ما يوجب تفكيرا عميقا وتدبيرا حكيما للمحافظة على مادة الخير وخامته، ألا وهي المكون الشعبي والنسيج الاجتماعي الفلسطيني، والذي أدرك العدو قيمته وحيويته فحاول ولا يزال سحقه وتهشيمه وتدميره مستفيدا من أي فرصة وقرار خاطئ ليصفيه.
وفي ظل هذا الصراع -الذي سينتهي باذن الله بانتصار الأمة وشعوبها على الكيان الإسرائيلي وتفكيك هذا المكون الغربي المسخ والمتوحش- تأتي معضلة المشروع الإيراني الذي بدد وأربك عملية التراكم الطبيعي في سياق التحرير، وحرف البوصلة وشوه المشهد وأفسد المكون السياسي الفلسطيني وجره باتجاهات تهدم ولا تبني الا في مصلحة مشروعه الطائفي والمعادي للأمة.
لن نستطيع كفلسطينيين أن نحرر أقصى المسلمين وحدنا مهما بذلنا من دمائنا، لاسيما وهو جزء من عقيدة التوحيد التي تستوجب استنفار مجموع الأمة للقيام بهذا الواجب العيني على عمومها لا خصوص الفلسطينيين، فالأقصى في هذا السياق بمنزلة المسجد الحرام في مكة والمدينة.
وانطلاقا من وعي التاريخ وشكل التحرير الواجب والممكن، وانطلاقا من فهم طبيعة وحقيقة المشاريع المعادية، فإن كل ارتباط بين القضية الفلسطينية وتحرير الأقصى المبارك وبين المشروع السياسي الإيراني المعادي لشعوب الأمة وثقافتها، سيؤدي بالضرورة لخلق فجوة بين القضية الفلسطينية وبين شعوب وحركات الأمة المعول عليها في التحرير، وهي فجوة تتسع مع كل تقارب بين المسألة الفلسطينية وإيران وتضيق وتضعف مع كل ابتعاد عنها.
إن كل خطوة وعمل وطرح منهجي يشرعن ويحقق دورا وحلولا للمشروع الإيراني ورموزه في المسألة الفلسطينية سيؤدي بالضرورة لإضعاف دور الأمة وشعوبها وإبعاد النصر، لاسيما وإيران لا تتوقف عن توسعها في دول المنطقة، ولا تتورع عن إيذاء وقتل وسحق نخب الأمة العربية والإسلامية ومن يشكلون أملا حقيقيا لقيادة الجماهير نحو عموم التغيير الإسلامي وخصوص تحرير فلسطين.
إن فك العلاقة بين المشروع الإيراني والمسألة الفلسطينية والأقصى المبارك هدف يجب أن يسعى إليه كل مؤمن حر عاقل ناضج منحاز للأمة وقضايا شعوب المنطقة ورافض للمظلومية الواقعة عليها من قبل الملالي وأذرعهم.
كما لا يمكن التعويل في هذا الدور على دعاة الطواغيت من الذين يحملون عناوينا صحيحة في رفض المشروع الإيراني، ولكن عملهم أسوأ من إيران نفسها، إذ يسعون لاستبدال إيران بالإطار العربي الرسمي وملوكه وأمرائه ورؤساء دوله الذين لا يقلون سوءا ولا فحشا ولا ظلما ولا كفرا عن ملالي إيران، غير أن الملالي يملكون مشروعا حقيقيا متكاملا في اقتلاع الدين وتفتيت شعوب الأمة، أما حكامنا فمشروعهم لا يتجاوز متعهم وما بين فكيهم وفخذيهم.
أعود فأقول إن معركة طوفان الأقصى، أو بشكل حقيقي ودقيق، إن جهاد الشعب الفلسطيني العظيم وتضحياته الجبارة لن تثمر في الوقت الراهن تحرير فلسطين لاعتبارات ذاتية وموضوعية، وإن كانت على طريقه وفي مساره الواجب، لكنها إن نجحت في فك العلاقة بين القضية الفلسطينية والمشروع الإيراني فإنها تكون قد قطفت ثمرة كبيرة وشرطا يقربنا من النصر، ويحول دون تجيير دمائنا وتضحياتنا لصالح مشروع احتلال قائم على القتل في كل محيط فلسطين.
وبعد هذا يأتيك من يدعي العلم والرشد ليختزل ويخدع المؤمنين في تجويز حلف الملالي المحتلين قائلا إن الرسول صلى الله عليه وسلم استجار بالمطعم بن عدي وكانت درعه مرهونة عند يهودي وبناء عليه فإن الحلف بين حركات المقاومة الفلسطينية ومشروع سياسي طائفي جائز بل واجب المرحلة ولا شبهة فيه، حتى وإن كانت إيران قائمة على العدوان والقتل في مساحة إسلامية أخرى!
كما يفاجئك بعض السطحيين قائلين دعنا فقط نتحالف مع إيران الآن في تلك المرحلة! وكأن إيران تدفع وتبذل باتجاه تحرير فلسطين، وكأنها لن تحرف الجهاد والحركة والبوصلة!
أقول للذين خلطوا الطين بالدين وصنعوا منهما عجينا يعتاشون عليه، كان الأولى بكم إذن أن تتحالفوا مع ياسر عرفات الذي قتله الإسرائيليون ولفظته أمريكا وحاصره رؤساء العرب ثم مات في المهجر دون أن يوقع على تسليم مفاتيح القدس كما سعى لذلك الإسرائيليون والأمريكان وكثير من حكام العرب!
إن من رفض أن يقف خلف ياسر عرفات أو إلى جانبه -في الوقت الذي كان يحصل فيه نتائج مرحلية تراكمية على الصعيد الوطني والقضية الفلسطينية- انطلاقا من إيمانه بالمشروع السياسي الإسلامي واعتماده المرجعية الإسلامية في مشروع التغيير والتحرير، ووقوفه عند حقائق وأحكام الدين وتمثله لمعنى الرسالية في خدمة قضايا المسلمين والانحياز إلى قضايا الأمة، من باب أولى ألا يقف خلف المشروع الإيراني ولا الى جانب الملالي لاسيما أن عداءهم للدين وحربهم مع شعوب الأمة واحتلالهم العواصم العربية أمر مشهود لا ينكره نزيه، وهو حجة عليه أمام الله وخزي سيتدحرج حتى يشوهه، ويكون سببا في خسارة فلسطين رصيدا من التضحيات والدماء الزكية!
لقد أسهم التناحر الفلسطيني السياسي الداخلي والاصطراع القائم بين الاسلاميين والوطنيين في تعويق النصر وإضعاف المجتمع الفلسطيني وتشتيت قواه، وكان ذلك مقبولا ومؤيدا من كثير من العلماء والدعاة والنخب السياسية الإسلامية العلمية الدعوية والحركية!
فما بال هؤلاء قد باتوا مشرعين لعلاقة حركات المقاومة الفلسطينية الإسلامية بمشروع ملالي إيران ومحوره وأحزابه وأذرعه المؤذية؟
وما بال البعض منهم يغض النظر عن ارتباط قيادة حماس والجهاد بالملالي الإيرانيين، فيما يتقرب إلى الله بالدعوة على كل منبر وفي كل صعيد ومقالة وكتاب ومناسبة بضرورة اعلان الولاء لله والمؤمنين والتبرؤ من رئيس السلطة الفلسطينية أبومازن محمود عباس؟
وهل فعلا عباس -المخطئ والآثم والمنحرف بخياراته السياسية التي أحدثت منعرجا خطرا وضارا بالقضية الفلسطينية- أشد خطرا وأقبح دينا وأكثر قتلا وتدميرا لشعوب الأمة من ملالي إيران في ميزان السياسة الشرعية عند هؤلاء العقلاء والغيورين على دين الله وشعوب المسلمين؟
لاشك بأن القضية الفلسطينية هي من أهم وأعظم وأخطر قضايا الأمة العربية والإسلامية وأكثرها تأثيرا واشعاعا، لكن حظها العاثر أوقعها بين أيدي قيادات دون مستوى الفهم الناضج ودون مستوى الأخلاقية السياسية، ودون الأمانة الواجبة نحو الدماء، تلك الدماء التي كان يجب أن تهرق في أضيق الحدود التي تثمر عن نتائج تسهم في حفظ الدين، وتعزز الخير في شعوب الأمة، وتحقق تقدما حقيقيا في سياق انتصار القضية الفلسطينية، لا أن تكون التضحيات العلية وسيل الدماء الزكية هدرا خلف بوصلة سياسية تائهة وتعزيزا لمشروع معاد للأمة والدين، وإضعافا لدور الشعوب التراكمي وفق مسطرة قائمة على المعقولية وليست العاطفة والخطابات الشعبوية!
ومن عجائب السياسات الفلسطينية أن خيارات قياداتها الحالية تحاكم وتجلد الشعوب العربية والإسلامية بعقلية عاطفية لا تقيم وزنا لمعطيات قائمة حقيقية، ولا تلقي بالا لتاريخ من الجهاد والتضحيات في كل محيط فلسطين وشعوبه المعذبة، فيما تدعي أن خياراتها السياسية تجاه الحلف مع مشروع إيران المعادي قائمة على العقل والوعي ومتجاوزة لكل التجارب التاريخية ومتعالية عن سيل الدماء الهادر في العراق واليمن والشام ومتعامية عن حجم المخاطر الراجحة في حواضر المسلمين كالخليج ومصر وتركيا بفعل مشروع سياسي خطير لا يستهدف تحرير فلسطين ولكنه يستخدم تضحيات شعبها ودماء مجاهديها الزكية ليعلي من شأنه ويكبر رصيده ويتوسع ويتمدد تحت راية فلسطينية هي محل إجماع الأمة، وينال أكثر ما يمكن من التأييد والشرعية في عقول سطحية متفشية في حركاتنا السياسية!
وبعد كل تلك الدماء الزكية التي أهرقت على أرض غزة وجنين وعموم فلسطين الأبية، إن حققنا هدف فك العلاقة السياسية بين المسألة الفلسطينية والملالي الإيرانيين فإننا نكون قد قطفنا ثمرة كبيرة وحقيقية، ونكون قد حققنا شرطا يقربنا من تحرير فلسطين وأرجعنا مسارها على السكة الصحيحة، بشرط ألا يكون بديل إيران الطائفية الأنظمة العربية الطاغوتية التي تتفنن في إذلال الشعوب وتجهيلها وافقارها، كما لا تتورع عن قتل وسجن العلماء فقط إن كانوا أصحاب رسالة حقيقية تستهدف تغيير واقع الأمة وتحرير دولها وانعتاقها من الهيمنة الغربية وتحقيق النهضة الحضارية.
إن بديل المكون والمشروع الإيراني في القضية الفلسطينية، وبديل الأنظمة العربية الطاغوتية الظالمة والاستبدادية، في السياق السياسي المثمر والصحيح في المسألة الفلسطينية هو الشعوب والحركات الثورية العربية والإسلامية، الأمر الذي يحتاج إلى تصور مغاير للتصور القائم في عموم التجربة الفلسطينية المعاصرة والحالية، وهو خيار يستوجب بناء عمليا حقيقيا غير متوفر ولا هو قائم في العلاقة بين الحركات الفلسطينية وبين شعوب الأمة حاليا، كما أن هذا الخيار يستلزم وقتا وصبرا وليس فيه نفع ومصالح ومتع شخصية، ولا بروزة إعلامية ولا استقبالات علنية باتت هدفا عند البعض يتجاوز النظر والمحاسبة على دماء أهرقت وأعمار استنفدت وأموال صرفت في غير صورة عادلة وسوية!
اللهم اهدني واهد قيادات قومي فإنهم لا يعلمون.
مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 11/7/2024