في زمن تعصف به رسائل التأثير من كل اتجاه، من الإعلانات السياسية إلى الخطابات التسويقية، تزداد الحاجة لفهم آليات الإقناع ومفاتيح التأثير. في هذا السياق، يقدّم كتابان مهمان رؤية متكاملة حول فن التأثير في الآخرين:
“فن الإقناع” للخبير الإداري الكندي هاري ميلز
“قوة الإقناع” للباحث الأمريكي كيرت دبليو مورتينسين
رغم اختلاف المنهج والأسلوب، يجمع الكتابين هدف واحد: كيف تغيّر قناعات الناس دون أن يشعروا أنهم تحت ضغط؟ وكيف تحوّل أفكارك إلى “قوة ناعمة” تؤثر في الطرف الآخر بفعالية وذكاء؟
أولًا: “فن الإقناع” – هاري ميلز
يستند ميلز في كتابه إلى أحدث مفاهيم علم النفس والاتصال الإداري، ليشرح كيف يمكن لأي شخص أن يلفت الانتباه، ويُحدث التغيير في آراء الآخرين بسلاسة واحتراف. يوضح المؤلف أن الإقناع لا يعتمد فقط على الكلام، بل على بناء الثقة، واختيار اللحظة المناسبة، والتحكم في الانطباع الأول.
من أبرز محاور الكتاب:
أسرار الجاذبية الشخصية في بداية التواصل.
تأثير اللغة الإيجابية والرسائل غير المباشرة.
كيف تبني مصداقية قوية دون ادّعاء.
أدوات التعامل مع المقاومة والرفض.
يرى ميلز أن الإقناع هو “هندسة دقيقة للعقل”، تستند إلى تحليل دوافع الناس النفسية والاجتماعية، واستخدام تلك الدوافع لتشكيل قناعات جديدة.
مقولة من الكتاب:
“أفضل وسيلة للإقناع ليست أن تفرض رأيك.. بل أن تجعل الآخر يظن أنه هو من اختار هذا الرأي!”
ثانيًا: “قوة الإقناع” – كيرت دبليو مورتينسين
أما مورتينسين، فيقدم كتابًا مختلفًا في الأسلوب والمضمون، حيث يركّز على “الذكاء العاطفي” باعتباره جوهر التأثير. ويطرح نظرية يسمّيها “معادلة الإقناع”، تقوم على أربعة عناصر أساسية: المنطق، والعاطفة، والمصداقية، والدوافع الداخلية.
يسعى المؤلف لتقديم دليل عملي للقادة والسياسيين والخطباء ورجال الأعمال، ويكشف عن:
كيف تبني شخصية مُلهمة تلفت الأنظار.
أهمية التواصل غير اللفظي (نبرة الصوت – لغة الجسد).
كيف توازن بين التأثير العاطفي والمنطقي؟
أشهر الأخطاء التي تفسد رسائل الإقناع.
مقولة من الكتاب:
“الإقناع لا يبدأ عندما تتحدث.. بل عندما تبدأ في فهم الطرف الآخر.”
نقاط التشابه والاختلاف:
يشترك الكاتبان في تأكيدهما على أن الإقناع ليس خداعًا، بل مهارة إنسانية نبيلة تقوم على الفهم والاحترام، لا على التلاعب أو الإكراه. كلاهما يرى أن التأثير الحقيقي يتطلب الاستماع بذكاء، والكلام بوعي، وبناء ثقة متبادلة مع الطرف الآخر.
أما أبرز أوجه الاختلاف:
هاري ميلز يركّز على البُعد الإداري والمؤسسي للإقناع، ويستعرض أدوات الإقناع في بيئة العمل والمفاوضات والتسويق.
كيرت مورتينسين يركّز على الذكاء العاطفي والشخصية الكاريزمية، ويرى أن التأثير يبدأ من الداخل، من قوة الحضور والانسجام النفسي مع الجمهور.
عن المؤلفين:
هاري ميلز: كاتب ومستشار إداري كندي، متخصص في التسويق المؤسسي والقيادة والتواصل، عمل مع كبرى الشركات العالمية، وله مؤلفات عديدة في الاتصال والإقناع.
كيرت دبليو مورتينسين: محاضر وباحث أمريكي في علوم القيادة والتأثير، درّس في عدد من الجامعات والمعاهد الدولية، وتُرجمت كتبه إلى عدة لغات، أبرزها كتاب “قوة الإقناع”.
الخلاصة
في عصر السيطرة الناعمة والحروب النفسية والإعلامية، تزداد أهمية فهم أدوات التأثير. يأتي كتابا “فن الإقناع” و*”قوة الإقناع”* ليقدّما خريطة عملية لكل من يسعى للتأثير في الآخرين بذكاء واحتراف. سواء كنت إعلاميًّا، أو مفاوضًا، أو قائدًا، أو معلمًا، أو حتى أبًا، فهذان الكتابان يمنحانك مفاتيح التأثير الناعم.. الذي يغيّر القلوب والعقول دون أن يرفع صوته.