فوائد لغوية
“مُهِمٌّ” أم “هَامٌّ”؟
هذا باب من أكثر ما يدور فيه الخلاف، فبعضنا يقول بالأولى، وبعضنا بالثانية، وبعضنا يستعملهما معًا دون تفريق.
لكن قِسْمًا كبيرًا من اللغويين يقول إن الصواب هو فقط “مُهِمّ”، لأنه اسم الفاعل من الفعل الرباعي “أهَمَّ” بمعنى أصاب بالهمِّ، أي بالحزن.
أمَّا رأيُنا فهو بوضوح أن كلتا الكلمتين صحيحة، وهذا للأسباب التالية:
– الفعل الثلاثي كثيرًا ما يعطي معنى الرباعي والخماسي والسداسي، حتى إنك يمكنك أن تستعمل مصدر الثلاثي مفعولًا مُطلَقًا لِمَا فوقه من الأفعال، فتقول: استعلمتُ علمًا، وتعلّمت علمًا، وعلّمتُ علمًا، وأعلمتُ علمًا… وهنا بالمثل نستعمل المصدر الثلاثي “الهَمّ”، ولا يكاد أحدنا يستعمل المصدر الرباعي “الإهمام”.
– عند التفضيل نقول “هذا أهمُّ من هذا”، ولا خلاف على أن صيغة “أفعل” التفضيل تُشتق من الثلاثي، إذًا فاسم التفضيل “أهمُّ” مشتقّ من الفعل الثلاثيّ “هَمَّ”. ولكننا إذا أردنا استعمال التفضيل من الرباعي “أَهَمَّ” قلنا “هذا أكثر إهمامًا من هذا”، وهو تعبير غريب غير مستعمل، لا قديمًا ولا حديثًا. وقد يقول بعضنا “هذا أكثر أهمِّيَّة من هذا”، وكلمة “أهمية” نفسها دليل آخَر على صواب “هَامٌّ”، لأنها مصدر صناعي بإلحاق ياء مشدَّدة وتاء مربوطة باسم التفضيل الثلاثي “أَهَمُّ”، كما نقول “أفضلية” من اسم التفضيل “أفضل” المشتقّ من الثلاثي “فَضُلَ”.
باختصار، كلمة “هامّ” هي اسم الفاعل من الفعل “همَّ”، وتُوجَد أدلّة صرفية عديدة وواضحة على صواب استعمالها بمعنى “مُهِمّ”. وإذا كان لـ”هامٌّ” معانٍ أخرى في المعاجم، فكذلك لـ”مُهِم” معانٍ أخرى.
ولا شك في أن هذا المعنى (المُهِمّ أو الهامّ) مأخوذ من الهَمّ، وهو الحزن أو الانشغال بالشيء الذي يؤدي إلى الاهتمام، والاهتمام كذلك هو الحزن أو الانشغال. وقد جاء في “لسان العرب”: “الهَمُّ: الحُزْن، وجمعه هُمومٌ، وهَمَّه الأَمرُ هَمًّا ومَهَمَّةً، وأَهَمَّه، فاهْتَمَّ، واهْتَمَّ به”، وهنا تسوية واضحة بين “هَمَّه” و”أهَمَّه” في سياق الحزن، الذي يشير مجازًا إلى سياق الانشغال بالشيء، وهو لُبّ معنى الاهتمام أو الأهمية.
فاستعمل منهما ما شئت، ولا تضيّق الأمر على نفسك.