“أمل دنقل”.. أمير الشعراء الثوريين
(إطارُ سيارتِهِ ملوثٌ بالدم! .. سارَ ولم يهتم!!)
– كان هذا مفتتح قصيدة (حديث خاص مع أبي موسى الأشعري).. قال فيه الشاعر أمل دنقل ما يقال في مئات القصائد والخطب النثرية، عن الفتنة والخيانة والصراع، من وجهة نظره!
– تلك عبقرية الشاعر المُدهش أمل دنقل التي تنزعك من وَعْيك، وتجعلك فاغرا فمك مع كل كلمة في قصائده.. حتى لو اختلفت مع أفكاره وأيديولوجيته..
– أمل دنقل شاعرٌ (حالة) لا تتكرر في تاريخ الشعر العربي، لكن مشكلته كانت في ثوريته و(جنّونته).. بل همجيته في التعامل مع البشر، ولذا لم يحبه الذين عرفوه وعاشوا بالقرب منه.. لكنك لا تستطيع إلا أن تعترف أنه الشاعر الذي لا يُبارَى، وأمير شعراء الرفض والثورة العربية، شاء مَن شاء، وأَبَى مَن أَبَى..
– (محمد أمل فهيم أبو القسّام محارب دنقل)
الميلاد: 23 يونيو 1940م، قرية القلعة، مركز قفط، محافظة قنا.
الوفاة: السبت، 21 مايو 1983م، بمعهد الأورام، القاهرة.
– كان والده عالمًا من علماء الأزهر الشريف، مما أثّر في شخصية أمل دنقل وقصائده بشكل واضح.
– سُميَ (أمل دنقل) بهذا الاسم المُركّب لأنه وُلد في نفس السنة التي حصل فيها والده على إجازة العالمية من الأزهر، فسماه: (أمل)، تيمنا بالنجاح الذي حققه (كانت غرابة اسم أمل أنه يخص البنات في مصر)… واسم (محمدّ أمل) اسم واحد، مُركّب، كما كانت العادة في الأسماء المركّبة بمصر، مثل:
“محمد أنور” السادات.
“محمد حسني” مبارك.
“محمد صالح” سليم.
“أحمد عصمت” عبد المجيد.
“محمد صفوت” الشريف.
“محمد ربيع” ياسين
الشيخ “محمد رفعت”.
إلخ
– ورثَ أمل دنقل عن والده موهبة الشعر، فقد كان والده العالم والداعية، يكتب الشعر العمودي، وأيضًا كان يمتلك مكتبة ضخمة، تضم كُتب الفقه والشريعة والتفسير وذخائر التراث العربي، مما أثّر كثيرًا في أمل دنقل، وساهم في تكوين اللبنة الأولى للأديب الشاعر الثائر.
– فـقـدَ أمل دنقل والده وهو في العاشرة من عمره، مما أثّر عليه كثيرًا، وأكسبه مسحة من الحزن تجدها في كل أشعاره.
– رحل أمل دنقل إلى القاهرة بعد أن أنهى دراسته الثانوية في قنا، والتحق بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ولكنه انقطع عن الدراسة لكي يعمل.
– شعرَ أمل دنقل بالصدمة عند نزوله إلى القاهرة أول مرة، ويظهر هذا واضحًا في أشعاره الأولى.
– عمل أمل دنقل موظفًا بمحكمة قنا، وجمارك السويس والإسكندرية، ثم بعد ذلك موظفًا في منظمة التضامن الأفرو أسيوي،
– كان أمل دنقل مدرسة شعرية متفرّدة متمرّدة، فلم يقلد أحدا، فهو الزعيم مؤسس مدرسة الرفض الشعرية الكبرى..
استوحى أمل دنقل قصائده من رموز التراث العربي، وقد كان السائد في هذا الوقت التأثر برموز التراث والحضارة الغربية، وخاصةً اليونانية.
– عاصر أمل دنقل أوهام القومية العربية، وطنطنة عبد الناصر، في الستينيات، وهزيمة وانكسار مصر في 1967م، وعبّـرَ عن صدمته في رائعتيه: (تعليق على ما حدث )… و(البكاء بين يدي زرقاء اليمامة)
قلتُ لكم مرارًا
إن الطوابيرَ التي تمــرُّ ..
في استعراضِ عيد الفطرِ والجلاءْ
(فتهتفُ النساءُ في النوافذِ انبهارا)
لا تصنعُ انتصارا.
إن المدافعَ التي تصطفُ على الحدودِ، في الصّحارَى
لا تطلقُ النيرانَ.. إلا حين تستديرُ للوراءْ.
إن الرصاصةَ التي ندفعُ فيها.. ثمن الكسرةِ والدواءْ
لا تقتلُ الأعداءْ
لكنها تقتلنا.. إذا رفعنا صوتنا جهارا
تقتلنا، وتقتل الصغارا !
قلتُ لكم في السنةِ البعيدةْ
عن خطر الجنديّ
عن قلبهِ الأعمى، وعن همّتهِ القعيدةْ
يحرسُ من يمنحهُ راتبه الشهريّ
وزيّه الرسميّ
ليرهبَ الخصومَ بالجعجعةِ الجوفاء
والقعقعةِ الشديدةْ
لكنه.. إن يحن الموتُ..
فداء الوطن المقهور والعقيدة:
فَــرَّ من الميدانْ
وحــاصر السلطانْ
واغتصبَ الكرسيَّ
وأعلن “الثورة” في المذياعِ والجريدةْ !
– كان أمل دنقل من الرافضين للسلام مع اليهود، بعد انتصار أكتوبر 1973م، وأطلق رائعته التاريخية الشهير: (لا تصالح) وكانت هذه القصيدة سببًا في إغلاق مجلة “سنابل” التي كان يرأس تحريرها الشاعر الراحل “محمد عفيفي مطر”… بعد نشر القصيدة، وأصبح أمل دنقل مطاردا، ومن المطلوبين أمنيًّا، فقد كانت أشعاره تقال في المظاهرات ويرددها آلاف المصريين:
لا تصالحْ !
ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيكَ
ثم أثبّت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياءُ لا تُشترَى..
لا تصالح! ولو قيل رأسٌ برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلبُ الغريبِ كقلب أخيك؟!
أعيناهُ عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثكلك
– صدرت له 6 مجموعات شعرية هي:
1- البكاء بين يدي زرقاء اليمامة.
2- تعليق على ما حدث.
3- مقتل القمر.
4- العهد الآتي.
5- أقوال جديدة عن حرب بسوس
6- أوراق الغرفة 8
– الصراع مع المرض:
أصيب أمل دنقل بالسرطان في آخر 4 سنوات من حياته، وكان مقيما بالمعهد القومي للأورام، غرفة رقم 8، ولكن المرض لم يستطع أن يوقف تدفق أمل دنقل الشعري، فقد أنتج في تلك السنوات أجمل ما قيل في الشعر العربي خلال ذلك الزمن، وكانت مجموعته الشعرية الشهيرة: (أوراق الغرفة 8):
(وسلالٌ منَ الورِد ألمحُها بينَ إغفاءةٍ وإفاقهْ
وعلى كلِّ باقةٍ
اسمُ حامِلِها في بِطاقهْ
تتنفسُ مِثلِىَ – بالكادِ – ثانيةً.. ثانيهْ
وعلى صدرِها حمَلتْ – راضيهْ…
اسمَ قاتِلها في بطاقهْ!)
…………..
قصيدة (ضد مَن):
في غُرَفِ العمليات،
كان نِقابُ الأطباءِ أبيضَ،
لونُ المعاطفِ أبيض،
تاجُ الحكيماتِ أبيضَ،
أرديةُ الراهبات،
الملاءاتُ،
لونُ الأسرّةِ،
أربطةُ الشاشِ والقُطْن،
قرصُ المنوِّمِ،
أُنبوبةُ المَصْلِ،
كوبُ اللَّبن،
كلُّ هذا يُشيعُ بِقَلْبي الوَهَنْ.
كلُّ هذا البياضِ يذكِّرني بالكَفَنْ!
فلماذا إذا متُّ.. يأتي المعزّونَ مُتَّشِحينَ..
بشاراتِ لونِ الحِدادْ؟
هل لأنَّ السوادْ..
هو لونُ النجاةِ من الموتِ،
لونُ التميمةِ ضدّ.. الزمنْ،
***
– رحل “أمل دنقل” عن دنيانا في 21 مايو 1983م، لتنتهي معاناته في دنيانا مع كل شيء.
1- قصيدة (لا تصالح) بصوت أمل دنقل