فورين بولسي: لهذه الأسباب تفضل السعودية والإمارات عودة ترامب للبيت الأبيض
تعتقد السعودية والإمارات أن في عودة ترامب إلى البيت الأبيض فرصة لتعزيز طموحاتهما الإقليمية بحسب تحليل لمجلة فورين بولسي حيث.
إن الحرب الإسرائيلية ضد حماس في غزة – وما نتج عنها من اغتيالات وحروب ناقلات وهجمات بالطائرات المسيّرة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط – جعلت دول الخليج في حالة توتر.
ووفقا لتحليل المجلة الأمريكية فمع اقتراب الانتخابات الأمريكية، قد يُتوقع من قوتي المنطقة، السعودية والإمارات، الميل نحو الاستقرار من خلال دعم نائبة الرئيس كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية للرئاسة. ولكن سياسات هاريس قد لا تحقق نوع الاستقرار الذي تسعيان إليه.
من المرجح بحسب التحليل الذي ترجمته جريدة الأمة الإليكترونية “أن تتخذ هاريس موقفًا أكثر صرامة بشأن النزاعات في السودان واليمن، وأن تنخرط دبلوماسيًا مع إيران، وهي مواقف تتعارض مع الطموحات الجيوسياسية للسعودية والإمارات.
لذا، من المحتمل أن تفضّل الدولتان رؤية الرئيس السابق دونالد ترامب يعود للبيت الأبيض. فقد كان نهج ترامب القائم على المعاملات التجارية وعدم الالتزام بالأعراف السياسية ضروريًا لتعزيز نفوذ كل من السعودية والإمارات في المنطقة.
ويعكس هذا التفضيل حسابات استراتيجية أعمق،ففي عهد ترامب السابق، تمتعت دول الخليج بدعم غير مسبوق من الولايات المتحدة، شمل صفقات الأسلحة والموقف المتشدد لواشنطن ضد إيران.
وتعد مقاربة هاريس للسياسة الخارجية الأمريكية مغايرة تمامًا. رغم أن إدارة بايدن حافظت على بعض المواقف الصارمة تجاه إيران، إلا أنها لم تصل إلى مستوى سياسات ترامب.
ومن المرجح أن تعيد هاريس إحياء السياسات الدبلوماسية التي اتبعتها إدارة باراك أوباما، مبتعدة عن السياسات العدوانية التي كانت تدعم أهداف الخليج الاستراتيجية. ففي عام 2019، عندما كانت عضوًا في مجلس الشيوخ الأمريكي، صرحت هاريس بأنها ستعود إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 الذي انسحب منه ترامب، وأنها ستتخذ كل الإجراءات اللازمة لمواجهة إيران وحماية القوات الأمريكية في المنطقة.
وكان بايدن قد قدم وعدًا مشابهًا خلال حملته الرئاسية في عام 2020، لكن المفاوضات تعثرت لأسباب عدة.
وبشكل عام، تفضل هاريس نهجًا أكثر دبلوماسية وتعددية في التعامل مع الأزمات الإقليمية. أما ترامب، فقد اصطف بشكل وثيق مع مصالح الخليج أثناء ولايته، لا سيما فيما يتعلق بإيران واليمن. وفي حالة عودة ترامب إلى الرئاسة، ترى الرياض وأبوظبي فرصة لتعزيز طموحاتهما الإقليمية.
خلال ولاية ترامب، بدأ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان التفاوض على صفقة ضخمة مع الولايات المتحدة
وتشمل هذه الصفقة اتفاقًا أمنيًا وتعاونًا في مجال الطاقة النووية المدنية والدفاع – بما في ذلك مبيعات الأسلحة – بين البلدين. لكن الشرط الأساسي كان أن تطبّع السعودية العلاقات مع إسرائيل، وذلك مشروط بإحراز تقدم كبير نحو إقامة دولة فلسطينية. إلا أن هذه المحادثات واجهت عقبات بسبب الحرب المستمرة في غزة.
ورغم أن البعض وصف الاتفاق المقترح بأنه شبيه بحلف الناتو، إلا أنه أقرب إلى اتفاقية الدفاع بين الولايات المتحدة واليابان. فعلى عكس المادة الخامسة من ميثاق الناتو، لا يتضمن هذا الاتفاق ضمانًا لتدخل عسكري أمريكي تلقائي في حال تعرض السعودية لهجوم، مما يمنح واشنطن مرونة في تحديد مستوى الدعم الذي تقدمه للرياض.
ومن المرجح أن تحد هاريس من التزامات الولايات المتحدة الأمنية تجاه الرياض وتلتزم باللوائح القائمة بعكس ترامب. ففي عام 2019، خلال إدارة ترامب، تعرضت السعودية لهجوم على منشأتين نفطيتين تابعتين لأرامكو، وردت الولايات المتحدة بنشر قوات إضافية، وأنظمة دفاع صاروخي، ومعدات رادار في السعودية.
ويعتقد محمد بن سلمان أن استعداد ترامب لتقديم دعم غير مشروط لمصالح السعودية الأمنية يجعل من إبرام اتفاق رسمي مع الولايات المتحدة أمرًا ممكنًا، حتى وإن ظلت قضية حل الدولتين نقطة شائكة.
فيما يسعى ولي العهد السعودي إلى الحصول على تفوق عسكري على جيرانه في المنطقة، ويهدف الجانب الدفاعي من الاتفاقية إلى تعزيز الروابط العسكرية بين الولايات المتحدة والسعودية من خلال برامج التدريب المشتركة وبرامج الاستشارات وزيادة مبيعات الأسلحة.
وتطمح الرياض لتأمين أنظمة دفاع جوي متقدمة لمواجهة التهديدات من الطائرات المسيّرة والصواريخ القادمة من خصومها الإقليميين، وخاصة إيران ومحورها في المنطقة.
وقد حقق ترامب سابقة في هذا المجال؛ ففي عام 2017، قام إدارته بتسهيل صفقة أسلحة ضخمة مع الرياض قد تصل قيمتها إلى 110 مليارات دولار، مما زاد من قدرات السعودية العسكرية وتفوقها الإقليمي.
بالنسبة للإمارات، فإن تفضيل ترامب يرتبط بدوافع تتعلق بالدبلوماسية والأمن والسياسات الجيوسياسية
وتشمل أهداف الإمارات الاستراتيجية تحقيق تفوق عسكري على جيرانها، وهو ما ساعدها ترامب على تحقيقه في الماضي. في عام 2020، أصبحت الإمارات طرفًا في اتفاقيات أبراهام، مما عزز مكانتها الدبلوماسية والاقتصادية. وبحلول عام 2022، تجاوز حجم التجارة الثنائية مع إسرائيل 2.5 مليار دولار، شمل مختلف القطاعات مثل التكنولوجيا، والزراعة، والدفاع، والرعاية الصحية. وقد أثبتت علاقة أبوظبي مع إسرائيل أنها مفيدة في مساعيها لتنويع اقتصادها.
وكجزء من جهود ترامب لإقناع الإمارات بالتوقيع على اتفاقيات أبراهام، وعد ببيع طائرات F-35 للإمارات، والتي كانت تتوقع أن تعزز قدراتها العسكرية. لكن بايدن جمد الصفقة مؤقتًا بسبب مخاوف تتعلق بالأمن الإقليمي وحقوق الإنسان. وأعيد تفعيل الصفقة في أبريل 2021 بعد مراجعة شاملة.
ومن المرجح أن تواجه هذه الصفقة مزيدًا من التأخير أو شروطًا أكثر صرامة في ظل إدارة هاريس، خاصة بالنظر إلى مشاركة الإمارات في النزاعات في اليمن وليبيا، ومؤخرًا في السودان.
ففي السودان، تدعم الإمارات قوات الدعم السريع شبه العسكرية، وربما تتعاون مع روسيا في حرب الميليشيات ضد الحكومة السودانية ومع احتمال تبني ترامب موقفًا متساهلًا تجاه موسكو، قد تستمر الشراكة الإماراتية الروسية في الازدهار.
وفي منطقة القرن الأفريقي، تعمل الإمارات على تطوير البنية التحتية العسكرية والموانئ، بما في ذلك اتفاقية ميناء إثيوبيا وأرض الصومال المثيرة للجدل، التي منحت إثيوبيا حق الوصول إلى ساحل أرض الصومال، مما أثار غضب الحكومة الصومالية وزاد من التوترات الإقليمية. وقد ساهم ذلك في تشكيل تحالف معاد لإثيوبيا؛ إذ قامت مصر وإريتريا والصومال مؤخرًا بتشكيل شراكة أمنية تهدف إلى مواجهة النفوذ المتزايد لإثيوبيا.
وخلال ولاية ترامب، تمكنت أبوظبي من متابعة طموحاتها دون تدخل كبير، مستفيدة من السياسة الخارجية التجارية لترامب التي ركزت على الصفقات الاقتصادية دون اعتبار كبير للقضايا السياسية.
أما بايدن، فقد انتقد التحالف الذي تقوده السعودية، وفي أول خطاب له في السياسة الخارجية كرئيس، أعلن أنه سينهي الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في الحرب في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة.
أثناء فترة رئاسية ثانية محتملة لترامب، سيكون لدى أبوظبي حرية أكبر لمتابعة أهدافها الجديدة.
فيما تظل فلسطين القضية المركزية في العالمين العربي والإسلامي، ومعالجة هذا الملف – لا سيما مستقبل غزة – قد يمنح الإمارات فرصة لتجاوز السعودية كقوة إسلامية بارزة، على الأقل طالما بقي الاتفاق بين إسرائيل والسعودية برعاية الولايات المتحدة بعيد المنال.
وأثناء حرب غزة، قدمت الإمارات مساعدات إنسانية للمدنيين ودعت إلى وقف إطلاق النار في مجلس الأمن الدولي. كما دعت أبوظبي إلى حل الدولتين، بينما سعت للحفاظ على التزاماتها بموجب اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل، مثل زيادة التجارة وإنشاء ممر بري لتجنب الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر.
على الرغم من أن السعودية والإمارات قد تفضلان عودة ترامب، إلا أن ذلك قد يزيد من التنافس بين الدولتين. فالسياسة الخارجية القائمة على المعاملات التي يتبعها ترامب غالبًا ما تكون سطحية وتتجاهل التوترات الكامنة بين الدول.
في حين قد تستفيد كل من السعودية والإمارات عسكريًا واقتصاديًا تحت رئاسة ترامب، إلا أن المنافسة بينهما قد تشتد إذا حصلت إحداهما على علاقة أوثق مع واشنطن، مما قد يؤدي إلى تغيير في توازن القوى الإقليمي ويعقد علاقات الولايات المتحدة مع كلتا الدولتين.