تشهد باكستان منذ نهاية مايو واحدًا من أعنف مواسم الرياح الموسمية في تاريخها الحديث، إذ تواصل الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية حصد الأرواح وتدمير البنية التحتية.
وقد أكدت تقارير رسمية ومنظمات إغاثة اليوم السبت أن حصيلة الضحايا تجاوزت 750 شخصًا، فيما أُعلن عن أكثر من 300 وفاة إضافية خلال الأسابيع الأخيرة فقط، وهو ما دفع جهات دولية إلى وصف الوضع بأنه كارثة مناخية وإنسانية مركّبة.
وتبرز المأساة بوضوح في إقليم خيبر بختونخوا شمال غربي البلاد، حيث أدت السحب الركامية المصحوبة برياح عاتية في 18 أغسطس إلى انهيارات أرضية وفيضانات مفاجئة أسفرت عن مصرع 17 شخصًا في منطقة سوايبي، بينهم نساء وأطفال.
وقد هرعت فرق الإنقاذ لإجلاء مئات العائلات من القرى الجبلية التي غمرتها السيول، وسط صعوبات بالغة بسبب تضرر الطرق وانقطاع الكهرباء والاتصالات.
ووفقًا لتقرير صادر عن منظمات إنسانية، فإن مئات الآلاف من السكان باتوا بلا مأوى، فيما دُمرت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، وارتفعت المخاوف من تفشي الأمراض بسبب تلوث مصادر المياه.
وتعتبر هذه الكارثة امتدادًا لنمط متكرر من الفيضانات المدمّرة التي تعكس هشاشة باكستان أمام التغير المناخي، خاصة مع محدودية إمكانيات الدولة لمواجهة كوارث بهذا الحجم.
يؤكد الخبراء أن ما تشهده باكستان هذا العام ليس مجرد فيضانات موسمية اعتيادية، بل حدث مناخي استثنائي يحمل بصمات التغير المناخي.
فقد أوضح الدكتور فاروق حنيف، أستاذ علوم البيئة في جامعة لاهور، أن معدلات الأمطار تجاوزت المتوسط الطبيعي بأكثر من 25%، وهو ما جعل السيول أكثر عنفًا واتساعًا، خاصة في المناطق الشمالية والوسطى.
أما البروفسور أديب خان من المركز الوطني للأرصاد، فشدد على أن الخطر لم يكن فقط في غزارة الأمطار، بل في غياب أنظمة إنذار مبكر فعالة وضعف البنية التحتية.
وأشار إلى أن غياب مشاريع لتصريف المياه والسدود الصغيرة ساهم بشكل مباشر في تضخم حجم الكارثة، مضيفًا أن “التغير المناخي كشف هشاشة النظام العمراني والاقتصادي في البلاد”.
من جانبها، لفتت الخبيرة الاقتصادية سمية شاه إلى البُعد الاقتصادي للأزمة، موضحة أن الخسائر الزراعية الناجمة عن غرق آلاف الهكتارات من محاصيل الأرز والقطن ستعمّق الأزمة الاقتصادية.
وأضافت أن هذه الفيضانات قد تؤدي إلى تراجع الصادرات الزراعية وزيادة أسعار الغذاء داخليًا، الأمر الذي سيضغط أكثر على الفئات الفقيرة
أما على المستوى الدولي، فقد اعتبر الخبير في شؤون المناخ مايكل جونسون أن ما يجري في باكستان هو “جرس إنذار للعالم بأسره”،
مؤكدًا أن دولًا مثل باكستان، رغم مساهمتها الضئيلة في الانبعاثات الكربونية، تدفع الثمن الأكبر للتغير المناخي. وأشار إلى أن مواجهة هذه الكوارث لا يمكن أن تتحقق دون تعاون دولي حقيقي يضمن تمويل مشاريع التكيف المناخي في الدول النامية