تمر الذكرى الخامسة والثلاثون على احتلال العراق لدولة الكويت، في الثاني من أغسطس عام 1990، بعدما اجتاحت القوات العراقية أراضي دولة الكويت في عملية عسكرية مفاجئة أمر بها الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين، معلنةً بداية واحدة من أخطر الأزمات في منطقة الخليج العربي، التي مهدت لاحقاً لحرب الخليج الثانية.
وبدأت قصة احتلال العراق للكويت من عند الأزمة التي حدثت بين البلدين بسبب مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية.
أهم هذه الأسباب التي أدت لدخول قوات صدام حسين إلى الكويت، ما تعرض له صدام من أزمات اقتصادية بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية في عام 1988، بعدما وجد العراق نفسه غارقاً في الديون، لصالح دول الخليج التي دعمته مالياً خلال الحرب، وعلى رأسها الكويت والسعودية.
وبالرغم من أن العراق خاص الحرب الإيرانية نيابة عن دول الخليج، طالبت الكويت العراق بتسديد ديونه في الحرب، وألحت في مطالبها، الأمر الذي أدى إلى حدوث أزمة بين البلدين.
وتفاقمت الأزمة بسبب اتهامات عراقية للكويت بتجاوز حصصها في إنتاج النفط ضمن منظمة “أوبك” (منظمة الدول المصدرة للنفط)، مما أسهم في انخفاض أسعار النفط، وبالتالي تراجع دخل العراق.
كما اتهم العراق الكويت أيضاً بسرقة النفط من حقل الرميلة المشترك.
ومع تصاعد التوتر، اتخذ صدام حسين قراره بغزو الكويت في الثاني من أغسطس/ 1990، وبعد السيطرة على البلاد، تمّ تعيين علي حسن المجيد (ابن عم صدام) حاكماً عسكرياً للكويت.
و بدأت السلطات العراقية حينها سريعاً اتخاذ خطوات لإضفاء “شرعية شكلية” على وجودها في الكويت. وتمثلت إحدى هذه الخطوات في إنشاء ما أُطلق عليه اسم “جمهورية الكويت”، ككيان سياسي جديد على أنقاض الدولة الكويتية المستقلة.
وبعد يومين من السيطرة على البلاد وتحديداً في الرابع من أغسطس/ من عام 1990، أعلن صدام حسين إنشاء “جمهورية الكويت”، وأعلن أن هذه الجمهورية الجديدة هي كيان مستقل تحكمه “ثورة شعبية”.
و سعى النظام العراقي إلى تقديم الوضع كأنه “ثورة داخلية” قام بها “الكويتيون أنفسهم” ضد “نظام عميل للاستعمار والإمبريالية”، واستخدم الإعلام العراقي آنذاك هذه التوصيفات لتبرير الغزو أمام الرأي العام العربي والدولي.
وكانت البداية، في تعيين حكومة الكويت الحرة المؤقتة التي تألفت من 9 من الضباط الكويتيين السابقين الذين تعاونوا مع النظام العراقي، أو اعتبروا كذلك لاحقاً.
وتمّ تعيين العقيد علاء حسين علي الخفاجي الجبر رئيساً لمجلس الوزراء وقائداً عاماً للقوات المسلحة، كما شغل منصبي وزير الدفاع ووزير الداخلية أيضاً. وكذلك تعيين المقدم وليد سعود محمد عبد الله وزيراً للخارجية، والمقدم فؤاد حسين أحمد وزيراً للمالية والنفط، والرائد فاضل حيدر الوافقي وزيراً للإعلام والنقل، والمقدم حسين دهيمان الشمري وزيراً للشؤون الاجتماعية.
وورد في كتاب “الكويت.. الغزو والتحرير” لرجاء حسن ميناوي، أنّ علاء حسين وُلد في الكويت عام 1948 وانتمى لحزب البعث في العراق عندما كان يدرس في جامعة بغداد، وهو ضابط سابق في الجيش الكويتي.
وقد بث التلفزيون الكويتي الرسمي، الذي سيطرت عليه القوات العراقية، بياناً مصوراً لعلاء حسين وهو يعلن تأسيس الحكومة الجديدة، داعياً الكويتيين إلى التعاون مع القيادة الجديدة.
وقد أعلنت الحكومة الجديدة عن سلسلة من “القرارات الثورية”، مثل تأميم الشركات الغربية، ومصادرة ممتلكات الأسرة الحاكمة، وحل مجلس الأمة الكويتي، وتحويل إمارة الكويت إلى جمهورية، ومنحت الجنسية لجميع المواطنين العرب المقيمين في الكويت آنذاك.
ولم تكن هذه الحكومة تملك أي سلطة حقيقية، ولم تكن أكثر من واجهة شكلية، اعتبر البعض أنّ النظام العراقي أراد بها تبرير ضمّه للكويت أمام الرأي العام المحلي والدولي. ورفض الشعب الكويتي هذه الحكومة، كما رفضت المعارضة الكويتية التعاون معها.
ومن الناحية الزمنية، لم تعش هذه الحكومة أكثر من 4 أيام فقط، حيث قرر صدام حسين في 8 أغسطس/ من عام 1990 ضمّ الكويت رسمياً إلى العراق، وأعلن أنّ الحكومة المؤقتة قد طلبت منه ذلك، مما جعل وجودها منعدم المعنى قانونياً وعملياً.
وصدر في 28 أغسطس/ من عام 1990، مرسوم بإنشاء محافظة الكويت لتكون المحافظة العراقية الـ 19 التي تتكون من 3 مناطق وهي كاظمة (العاصمة الكويت)، والجهراء، والنداء (الأحمدي) وتم تنصيب العراقي عزيز صالح النومان محافظاً للكويت.
وعقب حلّ الحكومة المؤقتة، أصدر صدام حسين قراراً بتعيين علاء حسين علي نائباً لرئيس الوزراء العراقي، وعين الوزراء الباقين كمستشارين في رئاسة الجمهورية بدرجة وزير.
و أُلحقت الكويت بالعراق كمحافظة عراقية، وبدأ الجيش العراقي في فرض القوانين العراقية على كامل أراضي دولة الكويت، بما في ذلك تغيير المناهج، واستبدال العملة، وحظر الصحف الكويتية. كما أُغلقت السفارات الأجنبية في الكويت، وتم طرد العديد من الدبلوماسيين، وفُرضت قيود شديدة على السكان المحليين، واستُخدم التعذيب والاعتقال والإعدامات كوسائل للترهيب، وأصبح الوجود العسكري هو المسيطر على الحياة اليومية في البلاد، وأعلن صدام حسين أنّ “الكويت عادت للوطن الأم”.
ويشير الكثير من المؤرخين والمحللين السياسيين، إلى أنّ إعلان “جمهورية الكويت” لم يكن إلا “مسرحية سياسية وخطوة تكتيكية عراقية” تهدف إلى كسب الوقت أمام الضغط الدولي المتزايد.
حيث كانت القيادة العراقية تدرك أنّ إعلان الضم المباشر للكويت من اليوم الأول سيستفز المجتمع الدولي، ولذلك فضلت أن تقدم الأمر وكأنه “ثورة شعبية داخلية” تبعها “طلب” بالانضمام إلى العراق.
تدخل الغرب
وقد أدانت الأمم المتحدة الغزو، وبدأت بفرض حظر على العراق منذ 6 أغسطس/ من ذلك العام، قبل أن يصوت مجلس الأمن في 29 نوفمبر/تشرين الثاني على القرار رقم 678 الذي يشرع استخدام القوة ضد العراق، ويحدد مهلة تنتهي في 15 يناير/كانون الثاني من عام 1991 عند منتصف الليل للخروج من الكويت.
وقد شهد مطلع شهر يناير/ من عام 1991، جهوداً دبلوماسية مكثفة لمحاولة إنهاء الأزمة دون اللجوء إلى القوة ومع مضي الأيام، ازداد الشعور بحتمية وقوع الحرب.
وأخفقت المساعي العربية لحل الأزمة تماماً، والتقى أمين عام الأمم المتحدة، خافير بيريز دي كويار، بالرئيس العراقي، صدام حسين، لكنه لم يستطع إقناعه بالانسحاب أو حتى الدخول في مفاوضات بشأن الانسحاب.
وفي 9 يناير/ من عام 1991، انتهت محادثات أجريت بين وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، ونظيره العراقي طارق عزيز بالإخفاق أيضاً.
وعندها أعلنت واشنطن أنها استنفدت جميع السبل الدبلوماسية للوصول إلى حل، صوت الكونغرس الأمريكي لصالح قرار شن حرب ضد العراق في 12 يناير/.
وقد استمرت السيطرة العراقية على الكويت لعدة أشهر، حتى قررت الولايات المتحدة بقيادة تحالف دولي يضم 34 دولة، شن حملة عسكرية لتحرير الكويت، بدأت في 16 يناير/كانون الثاني من عام 1991 تحت اسم “عاصفة الصحراء”.
وفي فبراير/ من نفس العام، تم تحرير الكويت بالكامل، وانسحبت القوات العراقية تحت ضغط عسكري كثيف، وسط دمار كبير خلفه الجيش العراقي، شمل حرق آبار النفط وتخريب البنية التحتية.
وفي 14 مارس/ من عام 1991، عاد أمير الكويت الشيخ، جابر الأحمد الصباح، إلى بلاده بعد أشهر من أداء حكومته أعمالها مؤقتاً من السعودية.
وبعد تحرير الكويت، عاد أعضاء الحكومة المؤقتة الموالية للعراق إليها وتحديداً في 27 أبريل/ من عام 1991، باستثناء علاء حسين، وقاموا بتسليم أنفسهم للسلطات الكويتية فور عودتهم.
وتمت إحالتهم إلى جهات التحقيق في جهاز أمن الدولة الكويتي التي انتهت من التحقيق معهم في 15 مايو/أيار من عام 1991، ثمّ حولتهم إلى نيابة أمن الدولة في 22 يوليو/ ، وقد أكدوا خلال التحقيقات ولائهم للكويت وأميرها وشهدوا ضد علاء حسين.
وفي 9 سبتمبر/ من عام 1991، أعلن وزير العدل الكويتي آنذاك، غازي عبيد السمار إغلاق ملف الحكومة الموقتة، مشيراً إلى انتهاء التحقيقات، وأن أعضاء تلك الحكومة “كانوا مسلوبي الإرادة وتعرضوا للضرب وتهديدات وتعذيب مادي ونفسي وأنه جرى الاستناد في التحقيق على التقارير الواردة من الاستخبارات العسكرية ومباحث أمن الدولة”.
وقد عادوا بعد ذلك للعمل في وزارة الدفاع الكويتية، وتناسى المجتمع الكويتي قضيتهم بهدوء، بحسب ما ورد في كتاب “الكويت.. الغزو والتحرير” لرجاء حسن ميناوي.
أمّا علاء حسين علي، الذي ترأس تلك الحكومة، فقد غادر العراق عام 1998 إلى تركيا ومنها إلى النرويج قبل أن يعود ويسلم نفسه إلى الكويت عام 2000 ليبرئ نفسه كما قال من تهمة العمالة للعراق، وقد حوكم بتهمة الخيانة العظمى، وصدر بحقه حكم بالإعدام، إلا أن الحكم خُفف لاحقاً إلى السجن المؤبد.