تقاريرسلايدر

في ذكرى انتفاضة الخُبز المصرية.. 18 و 19 يناير 1977م

1- … وفجأة،، دخلَ محافظ أسوان، على الرئيس السادات في استراحة الرئاسة بأسوان، خائفا مذعورا، ويطالبه بسرعة مغادرة الاستراحة، بل مغادرة أسوان كلها، لأن المظاهرات على الطريق المؤدّي إلى استراحة السادات، وأن الأمن يحاول السيطرة، لكن هناك (خطر محتمل) إذا تمكنت الجماهير من الوصول إلى الاستراحة،

2- جلسَ السادات، وأسرته، وبعض المسؤولين في (أرضية أتوبيس نقل عام) حتى لا يراهم ولا يعرفهم أحد، وكان السادات غير مُصدّق، وهو يسمع بأذنيه صوت الجماهير وهي تسبّه، وتسخر منه في المظاهرات.

البداية:

3- قبل انتفاضة الخُبز عام 1977م، قامت قطاعات عمالية كثيرة بإضرابات وانتفاضات في 1975م، و1976م، فقد كان شعب مصر يحلم بالرخاء الاقتصادي الذي وعد به أنور السادات بعد حرب أكتوبر 1973م، وتحوّله من الاشتراكية للرأسمالية، وتقرّبه من الولايات المتحدة الأمريكية..

4- في يوم 17 يناير 1977م، أعلن نائب رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية الدكتور عبد المنعم القيسوني، في بيان له أمام مجلس الشعب، مجموعة من القرارات الاقتصادية، منها: رفع الدعم عن مجموعة من السلع الأساسية، وبذلك رفع أسعار الخُبز، والسكر، والشاي، والأرز، والزيت، والبنزين، و25 سلعة أخرى من السلع المهمة في حياة المواطن البسيط، وكانت الإجراءات تشتمل على تخفيض الدعم للحاجات الأساسية بصورة ترفع سعر الخبز بنسبة 50%، والسكر 25%، والشاي 35%، وكذلك بعض السلع الأخرى، ومنها: الأرز، وزيت الطهي، والبنزين، والسجائر.

5- بدأت الانتفاضة بعددٍ من التجمعات العماليّة الكبيرة في منطقة حلوان بالقاهرة، وفي شركة مصر حلوان للغزل والنسيج، والمصانع الحربية، وفي مصانع الغزل والنسيج في شبرا الخيمة، وعمال شركة الترسانة البحرية في منطقة المكس بالإسكندرية، وبدأ العمال يتجمّعون، ويعلنون رفضهم للقرارات الاقتصادية، وخرجوا إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة، تهتف ضد الجوع، والفقر، وبسقوط الحكومة والنظام.

6- انتقلت المظاهرات إلى الجامعات، وانضم الطلاب للعمال، ومعهم آلاف الموظفين والكثير من فئات الشعب المصري، في شوارع وميادين القاهرة والمحافظات، يهتفون ضد النظام والقرارات الاقتصادية، وحدثت مظاهر عنف، منها حرق أقسام الشرطة: الأزبكية، والسيدة زينب، والدرب الأحمر، وإمبابة، والساحل، وحتى مديرية أمن القاهرة، وأبنية الخدمات العامة، واستراحات الرئاسة بطول مصر من أسوان وحتى مطروح، ووصل الهجوم إلى بيت المحافظ بالمنصورة، وتم نهب أثاثه وحرقه، واستمرت هذه المظاهرات، حتى وقت متأخر من الليل، مع عنف شديد من قوات الأمن، وتم القبض على مئات المتظاهرين،

7- زاد العنف في اليوم الثاني 19 يناير، وخرجَ السادات من خلال التليفزيون وقال خطابه الشهير، واتهم المتظاهرين بالسرقة، وقال إنها: (انتفاضة الحرامية)، ولكنه مع استمرار المظاهرات وشدّتها، اضطر السادات إلى التراجع والتهدئة.

ويُحسَب للرئيس السادات (رحمه الله) عدم استخدام العنف مع المتظاهرين، وإلغاء القرارات التي تسببت في المظاهرات، من دون غطرسة و(فرعنة) معهودة في حكام مصر،، ولكن السادات كان فلاحًا طيّبًا بسيطًا في كل شيء، رغم أخطائِه الكُبرى في قضايا سياسية أخرى.

8- في يوم 19 يناير 1977م، خرجت الصحف القومية في مصر: (الأهرام – الأخبار – الجمهورية) تتحدث عن مخطط شيوعي لإحداث بلبلة واضطرابات في مصر، وقلب نظام الحكم (مثل الاتهامات للإخوان الآن) وقامت الشرطة بإلقاء القبض علي كثيرٍ من النشطاء، وزاد العنف في ذلك اليوم، ثم أُعلن في نشرة أخبار الثانية والنصف عن إلغاء القرارات الاقتصادية، ونزل الجيش المصري لمنع المظاهرات، وأُعلنت حالة الطواريء وحظر التجوّل من السادسة مساءً، حتي السادسة صباحا

9- تم القبض، والتحقيق مع قرابة 1270 شخصا، ووجهت لهم النيابة تهم التجمهر والشغب، ومحاولة قلب نظام الحُكم، وأحيلوا إلى المحكمة، لكن هنا كانت المفاجأة.. وحكمت المحكمة برئاسة القاضي الشريف “حكيم منير صليب”، ببراءة جميع المتهمين. (كان القضاء لسّه فيه شرفاء)

10- تتشابه الأحداث، وتختلف الأجيال، بل تتناقض، وشاشة التلفاز القديم (أبيض وأسود) يظهر عليها مشهد السفينة المحطّمة التي لم يبق منها إلا مجموعة ألواح خشبية؛ يتصارع عليها الشعب، وسط الأمواج، وفي الخلفية تبتسمُ الأوتادُ والجسور ساخرة.

———–

يسري الخطيب

يسري الخطيب

- شاعر وباحث ومترجم - مسؤول أقسام: الثقافة، وسير وشخصيات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى