تعاني شعوب القارة السمراء طيلة القرون السابقة من الفقر والاستعباد، رغم تربع هذه القارة على عرش الموارد الطبيعية بنسبة كبيرة، لكنها تواجه تحديات كبيرة في استغلال هذه الموارد لصالح سكانها.
هناك العديد من الفرص للشراكة والتعاون الدولي لتعزيز التنمية في أفريقيا، ولكن هناك أيضًا تحديات كبيرة يجب التغلب عليها، في مقدمتها وقف النزاعات الحدودية والصراعات السياسية والتخلي عن شعارات الاستعمار الأوروبي الذي طبقها بحنكة لعقود طويلة إعمالا بمبدأ “فرق تسد”.
أولا.. الفرص
1- الموارد الطبيعية: أفريقيا غنية بالموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والمعادن، مما يجعلها محط أنظار الاستثمارات الأجنبية، فهي تحوي في باطنها 98٪ من الكروم في العالم، و90٪ من الكوبالت، و90٪ من البلاتين، و70٪ من الكولتان، و70٪ من التانتاليت، و64٪ من المنغنيز، و50٪ من الذهب، و33٪ من اليورانيوم، وكذلك حصصاً هامة من احتياطات العالم من معادن مثل البوكسيت والماس والتانتالوم والتونغستين والقصدير.
كما تملك القارة الإفريقية 30٪ من احتياطات المعادن العالمية، و12٪ من احتياطات النفط المعروفة، و8٪ من احتياطات الغاز الطبيعي المعروفة، و65٪ من الأراضي الزراعية القابلة للزراعة.
ورأس المال الطبيعي الإفريقي يشكّل ما بين 30 إلى 50٪ من كامل ثروة الدول الإفريقية، ففي 2012 قدّرت الأمم المتحدة بأنّ الموارد الطبيعية للقارة تشكّل 77٪ من مجمل وارداتها، و42٪ من مجمل عائداتها الحكومية.
2- السوق الأفريقية: السوق الأفريقية كبيرة ومتنامية، مما يوفر فرصًا للشركات المحلية والأجنبية للاستفادة من الطلب المتزايد على السلع والخدمات.
3- الشباب الأفريقي: أفريقيا تمتلك شبابًا متعلمًا وطموحًا، مما يوفر فرصًا للابتكار والريادة في مختلف المجالات.
4- الشراكة والتعاون
– الشراكة بين القطاعين العام والخاص: الشراكة بين القطاعين العام والخاص يمكن أن تساعد في تعزيز التنمية في أفريقيا من خلال توفير التمويل والخبرة.
5- التعاون الدولي: التعاون الدولي يمكن أن يساعد في تعزيز الاستقرار والتنمية في أفريقيا من خلال توفير الدعم المالي والفني.
6- الاستثمار في البنية التحتية: الاستثمار في البنية التحتية يمكن أن يساعد في تعزيز النمو الاقتصادي والتنمية في أفريقيا.
7- الريادة:- أفريقيا يمكن أن تلعب دورًا رياديًا في العديد من المجالات، مثل الطاقة المتجددة والزراعة المستدامة.
8- التعاون الإقليمي: التعاون الإقليمي يمكن أن يساعد في تعزيز الاستقرار والتنمية في أفريقيا من خلال تعزيز التكامل الاقتصادي والسياسي.
9- التمثيل الدولي: أفريقيا يمكن أن تلعب دورًا أكبر في الشؤون الدولية من خلال تعزيز تمثيلها في المنظمات الدولية والمؤسسات المالية.
التحديات
1- الفقر والبطالة: لا يزال الفقر والبطالة مشكلتين كبيرتين في أفريقيا، مما يؤثر على استقرار المجتمعات وفرص التنمية.
2 – الصراعات: الصراعات المسلحة والاضطرابات السياسية تعرقل التنمية في العديد من الدول الأفريقية.
3- البنية التحتية: البنية التحتية في أفريقيا لا تزال غير كافية في العديد من الدول، مما يعوق النمو الاقتصادي والتنمية.
4 – الاستغلال: هناك مخاوف من استغلال الموارد الأفريقية من قبل الدول الأجنبية والشركات الكبيرة، مما قد يؤدي إلى تفاقم الفقر والبطالة.
5- سياسات الاستعمار الجديد
تتبنَّى عدد من القوى الدولية التقليدية والصاعدة حزمة من السياسات الجديدة التي تهدف بالأساس إلى نهب الدول الإفريقية والاستيلاء على ثرواتها المعدنية والنفط وغيره، وإن كان ذلك تحت غطاء تقديم المساعدة والدعم للأفارقة.
ثمة تقارير تشير إلى تورط كل من الصين وروسيا في الاستيلاء على مقدرات الدول الإفريقية والمعادن الثمينة؛ اعتمادًا على بعض الأدوات مثل القروض الصينية التي عزَّزت سيطرة بكين على بعض الأصول والمناجم في بعض دول القارة.
كما تقدم قوات فاغنر الروسية نفسها على أنها تساند بعض الدول الإفريقية في مواجهة الإرهاب مقابل السيطرة على جزء من ثرواتها ومناجمها مثل إفريقيا الوسطى.
وقد اتهمت إيطاليا فرنسا بنهب إفريقيا وجعلها أكثر فقرًا، وذلك في خضم استمرار الخلاف الذي نشب بينهما في عام 2019م. الأمر الذي يعكس استمرار السياسات الأوروبية تجاه إفريقيا منذ عهد الاستعمار الغربي لإفريقيا.
6- قوة ونفوذ الشركات متعددة الجنسيات:
حيث تمتلك هذه الشركات قوة اقتصادية وسياسية كبيرة في الدول الإفريقية بعد الاستقلال، وهي تدعم نخبة اقتصادية صغيرة للسيطرة على الموارد الاقتصادية في البلدان الإفريقية، ومِن ثَمَّ يسهل السيطرة عليها فيما بعد. وتسيطر تلك الشركات الدولية -التي تعتبر ممثلًا عن بلدانها الأصلية؛ حيث تُوفّر لها الشرعية والحماية- على معظم المناجم والموارد الإفريقية، وتحصل على حصة كبيرة من الأرباح التي تقوم بتحويلها إلى بلدانها الأصلية بدون دفع الضرائب، في مقابل تخصيص حصة صغيرة للحكومات الإفريقية، والتي قلما تستفيد منها شعوبها في ضوء غياب عدالة التوزيع وتفشي الفساد.
وهو ما ينقل القارة الإفريقية من مرحلة الاستغلال الاستعماري إلى الاستغلال الحديث عبر الشركات العابرة للحدود. إذ تشير تقارير إلى استحواذ شركة أريفا Areva الفرنسية على اليورانيوم في النيجر لتلبية احتياجات 75% من احتياجات فرنسا من الكهرباء، في الوقت الذي تعاني فيه النيجر من تفاقم معدلات الفقر، ويعيش 90% من سكانها بدون كهرباء.
كما تستنزف شركات الأمن الخاصة مليارات الدولارات من الموارد الاقتصادية للدول الإفريقية، خاصةً أنها تتوسَّع بشكل كبير في القارة بهدف حماية مصالح الشركات الدولية والأنظمة الحاكمة الداعمة لها.
7- فساد النخبة الحاكمة:
من المعضلات الكبرى في إفريقيا فساد النخب الحاكمة التي كل ما يهمها هو تضخيم ثرواتها على حساب الشعوب، فكشفت وثائق “باندورا” في عام 2021م تورط عائلة الرئيس الكيني السابق أوهورو كينياتا في إخفاء حوالي 30 مليون دولار من ثروتهم الشخصية، بالإضافة إلى التهرب الضريبي في البلاد.
وفي عام 2019م، وجهت الإدارة الأمريكية الاتهامات إلى ثلاثة مسؤولين حكوميين سابقين من موزمبيق وخمسة رجال أعمال بشأن مخطط احتيال وغسيل أموال بقيمة ملياري دولار، بالإضافة إلى دفع أكثر من 200 مليون دولار رشاوى لمسؤولي موزمبيق.
وفي أنغولا، كشفت بيانات صندوق النقد الدولي لعام 2011م أن هناك 32 مليار دولار قد اختفت من الحسابات الرسمية بين عامي 2007 و2010م بما يعادل 25% من دخل الدولة وقتذاك.
وفي الكونغو الديمقراطية، واجه الرئيس السابق جوزيف كابيلا اتهامات بالاستيلاء على 5 مليارات دولار من أرباح قطاع التعدين الحكومي وفقًا لتحقيقات الأمم المتحدة، فضلًا عن تورُّطه في عدد من الصفقات السرية مع بعض رجال الأعمال في قطاع إنتاج الماس.
وإجمالًا.. يظل مستقبل قارة إفريقيا مرهونًا بصعود نُخَب جديدة لديها رؤية شاملة حول إحداث تغييرات جذرية على صعيد العلاقة مع القوى الغربية، وبما يسهم في الحد من استنزاف الغرب للثروات الإفريقية المستمر على مدار قرون عديدة، من أجل الاستفادة بها في إنعاش حالة الاقتصادات الإفريقية وإمكانية تحويلها لاقتصادات تقوم بالتصنيع، بدلًا من حالة الاعتمادية على المساعدات الاقتصادية والإنسانية من الغرب التي ربما تكون في الأساس هي عوائد الموارد والثروات الإفريقية.