قرأتُ لك: رسائل إخوان الصفاء وخلّان الوفاء.. الفلسفة والضلال

رسائل إخوان الصفاء وخلّان الوفاء

هي موسوعة فلسفية وعلمية ضخمة ظهرت في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، من تأليف جماعة سرية تُعرف بـإخوان الصفاء، وهم مجموعة من العلماء والفلاسفة المسلمين الذين سعوا إلى بناء فكر شامل يجمع بين الدين، والفلسفة، والعلم، بهدف تحقيق انسجام بين الإيمان والعقل وإصلاح المجتمع.

من هم إخوان الصفاء؟

لا يُعرف مؤلفو الرسائل بأسمائهم الحقيقية، إذ كانت الجماعة تعمل بسرية.

ينتمي أعضاء الجماعة إلى مدارس فكرية متعددة، مثل المعتزلة، والفلاسفة، والصوفية.

كان هدفهم الأساسي هو إصلاح المجتمع وبناء نظام فكري يؤمن بالأخوة الإنسانية والعدالة.

عدد الرسائل وتصنيفها:

تتألف من 52 رسالة، وقُسمت إلى أربعة أقسام رئيسية:

 1/ الرياضيات والمنطق (14 رسالة):

تغطي أساسيات الرياضيات، الجبر، الهندسة، الفلك، الموسيقى.

تؤكد أهمية الرياضيات كمدخل لفهم العالم والتنظيم الإلهي فيه.

 2/ الطبيعيات (17 رسالة):

 تتناول موضوعات في الفيزياء، الكيمياء، الطب، البيولوجيا، الجغرافيا، وعلم النبات. تشرح نظريات عن تكوين الكون وعناصر الطبيعة، مع تأثيرات واضحة من الفلسفة اليونانية (مثل أفكار أرسطو وأفلوطين).

 3/ العلوم النفسية والعقلية (10 رسائل):

تناقش النفس البشرية، العقل، العلاقة بين الروح والجسد، والبعث.

تهدف إلى فهم الإنسان كجزء من الكون وكيفية تحقيق التوازن الداخلي.

 4/ اللاهوت والفلسفة (11 رسالة):

تعالج القضايا الدينية مثل التوحيد، والنبوة، والروحانية، والمعاد.

تسعى للتوفيق بين الشريعة الإسلامية والفكر الفلسفي، وتعرض فهمًا عميقًا للدين كمنهج أخلاقي وفلسفي.

أهم الأفكار والمبادئ في الرسائل/

1// العلاقة بين الدين والعقل:

تؤكد الرسائل أن الدين والعقل متكاملان، وأن الحقيقة الدينية يمكن فهمها بالعقل والتأمل الفلسفي.

2//. الكون كمنظومة متكاملة:

تصف الرسائل الكون ككائن حي يتفاعل أجزاؤه بتناغم. كل جزء له غاية محددة، ويخدم الكل الأعظم.

3//. النفس والارتقاء الروحي:

 ركزت الرسائل على أهمية تطهير النفس من الشهوات الدنيوية للوصول إلى الحكمة الإلهية والسعادة الأبدية.

4//. الأخلاق والمجتمع:

الأخلاق هي الأساس لبناء مجتمع عادل ومثالي. دعت الرسائل إلى التعاون، الأخوة الإنسانية، ورفض التعصب.

5//. فكرة المدينة الفاضلة:

تأثرت الرسائل بفكرة المدينة الفاضلة التي طرحها الفارابي وأفلاطون، حيث المجتمع المثالي قائم على الفضيلة والعدل.

الرسائل:

1// نشر المعرفة وتبسيط العلوم ليستفيد منها الجميع.

2// الدعوة إلى وحدة الفكر بين المذاهب الإسلامية المختلفة.

3// إصلاح المجتمع من خلال التعليم والأخلاق.

4// تحقيق الانسجام بين الدين والفلسفة، والدمج بين التراث الإسلامي والفكر اليوناني.

أسلوب الكتابة:

كُتبت الرسائل بأسلوب أدبي فلسفي يجمع بين السهولة والعمق.

استخدمت القصص الرمزية والأمثال لتوضيح الأفكار، مثل قصة “الطير” التي ترمز إلى النفس البشرية وسعيها للحرية والارتقاء.

أهمية الرسائل وتأثيرها:

  تُعد من أهم الأعمال الفلسفية في التراث الإسلامي.

  أثرت على فلاسفة لاحقين مثل ابن سينا، والفارابي، وابن رشد.

  ألهمت النقاشات الفكرية حول العلاقة بين الدين والفلسفة لقرون.

انتقادات الرسائل:

1// اُنتقدت من قِبل علماء الدين بسبب تأثرها بالفلسفة اليونانية.

2// أُخذت عليها بعض الأفكار المخالفة للعقيدة الإسلامية.

أثرها في الفكر الإسلامي:

رغم الانتقادات، أصبحت الرسائل مرجعًا مهمًا في الفكر الإسلامي والفلسفي، لما تحتويه من محاولات جادة للجمع بين مختلف العلوم والمذاهب.

ضلال إخوان الصفا

يقول أبو حيان التوحيدي: (إخوان الصفا عصابة قد تآلفت بالعِشرة، وتصافت بالصداقة، واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة؛ فوضعوا بينهم مذهباً زعموا أنهم قرَّبوا به الطريق إلى الفوز برضوان الله)

ولكنهم في واقع الأمر جماعة سرية باطنية، مزجت الفلسفة الإغريقية والعقيدة الباطنية ببعض المبادئ الإسلامية.

ونتيجة لذلك؛ فهي أُولَى ثمار الحركة الباطنية التي استغلت التشيع والتصوف الفلسفي وجعلت من ذلك ستاراً؛ لنشر رسائلها وأفكارها الهدَّامة بأسلوب متلوِّن غير صريح وغامض؛ حيث جمجموا ولم يفصحوا للتلبيس على الأتباع.

ولذلك خفي أمرهم على كثير من الناس حتى في عصرنا هذا، وأصبحوا لغزاً مبهَماً في التاريخ الإسلامي، واختلف الباحثون والعلماء في تصنيفهم، إلا القليل من العلماء النقَّاد المحققين الذين كشفوا عن هويتهم وأهدافهم، وعن فحوى رسائلهم

يعرِّفهم ابن تيمية بقوله: (كانوا من الصابئة المتفلسفة المتحنِّفة؛ جمعوا – بزعمهم – بين دين الصابئة المبدِّلين وبين الحنيفية، وأتوا بكلام المتفلسفة وبأشياء من الشريعة، وفيه من الكفر والجهل شيء كثير… )

وقال الذهبي حين ترجم لأبي حامد الغزالي في كتاب السِّيَر: (وحُبِّبَ إليه إدمان النظر في كتاب (رسائل إخوان الصفا) وهو داء عضال، وجَرَبٌ مُرْدٍ، وسُمٌّ قاتل، ولولا أن أبا حامد من كبار الأذكياء لتَلَف)

وفعلاً كما يقول ابن تيمية و الذهبي – رحمهما الله – لقد ضل إخوان الصفا وزاغوا عن الصراط المستقيم، وشطحوا شطحات كثيرة لا سيما في تأثُّرهم ببعض الِملَل الزائغة والعقائد الوثنية، وإن كانت هذه الوثنية غامضة الملامح؛ ليست بالإغريقية الصرفة، ولا بالبابلية والآشورية الخالصة، وليست مزدكية ولا مانوية، وإنما هي خليط من جميع هذه العناصر المختلفة.

وهكذا نجد أن المبادئ العامة التي بنى عليها إخوان الصفا نظرياتهم مقتبَسة من الديانات المختلفة (موحِّدة ومجوسية) جاهدين في التوفيق بينها كلها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights