1- في روايته «قاتل حمزة»، يسبر الدكتور نجيب الكيلاني أغوار النفس البشرية، ويُحيي عبر صفحات الرواية قصة من التاريخ الإسلامي تكاد تُنسى، ليصوغها برؤية أدبية إنسانية مفعمة بالتأمل في التحول، والتوبة، والمعنى العميق للإيمان.
2- الرواية تحكي قصة وحشي بن حرب، العبد الحبشي الذي قُيّدت حريته بالجسد، وقُيّدت روحه بالكراهية والعبودية، قبل أن يُبعث من رماد الجريمة، ويُولَد من جديد في رحاب الإسلام.
3- يسلّط د. نجيب الكيلاني الضوء على صراع وحشي الداخلي بعد قتله لحمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله، في غزوة أُحُد، وكيف ظلّ شبح القتل يطارده، ويثقله بندم لا ينقضي، حتى جاءه الخلاص عبر الإسلام، لا فقط كدين، بل كرحلة تحرير روحي.
4- يظهر وحشي في بداية الرواية كعبد مأمور، يعمل في الظل، لا يملك من أمره شيئًا. يكلفه سيّده بقتل حمزة مقابل وعد بالحرية.. الحرية هنا تظهر أولًا كمكافأة جسدية، لكنها سرعان ما تُكشَف عن فراغٍ روحي.
5- لحظة قتل حمزة ليست فقط ذروة الحدث التاريخي، بل أيضًا لحظة انفجار الوعي.. الكيلاني يصوّر القتل كفعلٍ يترك أثرًا في القاتل قبل القتيل..
يعيش وحشي بعدها صراعًا مريرًا مع الذنب، يرى حمزة في أحلامه، وتلاحقه نظرات النبي (صلى الله عليه وسلم)
6- حين يدخل وحشي على النبي ﷺ، ليُعلن إسلامه، يكون المشهد مُحيِّرًا: لا يُستقبل بحرارة، ولا يُطرد، بل يُعامل بميزان العدل.
يقول له النبي ﷺ: (غَيِّب عني وجهك، فإني كنت أحب حمزة)
هذه الجملة تشق قلب وحشي، لكنها لا تطرده من رحمة الإسلام، بل تدفعه للتكفير بالأفعال.
7- يقرر وحشي أن يُطهّر ما فعله، فيشارك في الجهاد ضد مسيلمة الكذاب، ويقتله.
هناك يرى نفسه أخيرًا وقد خلع عباءة القاتل، وأصبح من المجاهدين في سبيل الله.
إنها لحظة التكفير الكبرى، والتطهير الرمزي الذي ينهي دائرة الدم.
8- الرواية في جوهرها ليست عن القتل، بل عن المغفرة.
تُقدِّم الإسلام كدين لا يُقصي أحدًا ما دام صادق التوبة.
يغدو وحشي نموذجًا حيًّا للانتقال من الظلمة إلى النور.
9- توقّفتُ أمام بعض العبارات التي صاغها الكيلاني ببراعة واقتدار:
– (كنت أبحث عن الحرية، فوجدتُها في سجدة)
تعبير بليغ عن معنى الحرية الحقيقي الذي وجده وحشي في الإسلام، لا في الوعد الزائف بالعتق.
– (غَيِّب عني وجهك، فإني كنت أحب حمزة)
قول النبي ﷺ لقاتل عمه، يلخّص النبوّة بكل ما فيها من بشرية وألم، وعدل ورحمة في آن.
– (لا تُطفئ النور الذي لاح في قلبك، فالله يغفر الذنوب جميعًا)
جملة مؤثرة من أحد شيوخ الصحابة لوحشي، تفتح له باب الرجاء.
10- رواية (قاتل حمزة) ليست مجرد استعادة لحادثة تاريخية، بل مرآة لمحنة الإنسان مع الخطيئة، ومع الرحمة، ومع معنى أن يغفر الله، وأن يغفر الإنسان لنفسه. إنها شهادة أدبية على أن التحول ممكن، وأن نور الإيمان قادر على اختراق أعتى الظلمات، ولو كانت ظلمة دم.
وإنها، في يد نجيب الكيلاني، تتحول من حكاية دينية إلى نص إنساني خالد.
المؤلف: د. نجيب الكيلاني: (1931م – 1995م)
طبيب وأديب مصري، يُعدّ من رواد الأدب الإسلامي الحديث. جمع بين الحس الفني المرهف، والتصور الإسلامي العميق للحياة والإنسان.
كتب أكثر من 70 عملًا أدبيًا بين رواية، وقصة، وسيرة، وشعر، وكان من أوائل من جعلوا من الأدب وسيلة للدعوة الهادئة والتأمل في قضايا الإنسان.
– كان الكيلاني يرى الأدب مرآةً للروح، لا مجرد ترف ثقافي. لذلك جاءت أعماله مفعمة بالوجدان والهمّ الإسلامي والإنساني معًا.
– لقد عانى د. نجيب الكيلاني من تهميش متعمد في المؤسسات الأدبية والإعلامية، خاصة في ظل هيمنة التيارات التغريبية واللادينية على المشهد الثقافي العربي.
– ظلمه الإعلام لأنه لم يكن تابعًا لأي مؤسسة أو نظام، وظلمته النخبة الثقافية لأنه كان يكتب من قلب الإسلام لا على هامشه، فجعلوه في الظل، رغم أن أدبه ظل في النور.