يُعد كتاب تاريخ بلا وثائق من الكتب المهمة التي تناقش قضايا التاريخ العربي والمصري الحديث، بمنهج نقدي صارم، حيث يفكك الدكتور إبراهيم عبده العديد من الروايات التاريخية المتداولة، كاشفًا عن غياب الوثائق والمصادر المعتمدة، وانتشار القصص المصنوعة لأغراض سياسية أو دعائية.
أهم محاور الكتاب:
- نقد الرواية الرسمية للتاريخ: يعرض الكاتب كيف صيغت أحداث سياسية مفصلية — كالثورات والانقلابات والتحالفات — بلا توثيق جاد، بل أُسندت إلى شهادات متناقضة أو أهواء شخصية.
- التاريخ والسلطة: يؤكد أن الحكام كثيرًا ما يعيدون كتابة التاريخ لخدمة صورتهم، ويشكك في ما يُقدَّم في المناهج التعليمية الرسمية من سرديات مختارة بعناية.
- التاريخ الشفهي والذاكرة الموجهة: ينتقد الاعتماد على الذاكرة الفردية وحدها، ويبرز كيف تتحول الروايات الشفهية إلى “حقائق” مغلوطة حين تفتقر للوثيقة أو النقد.
- دعوة إلى التأريخ العلمي: يدعو الكاتب إلى تأسيس مدرسة عربية لتأريخ الأحداث بناءً على الوثائق الأصلية لا على الحكايات أو النوايا.
أهم مقولات الكتاب:
❝ إن التاريخ بلا وثائق ليس سوى أسطورة ذات نكهة سياسية. ❞
❝ كثير مما نقرأه في كتب التاريخ ليس ما حدث، بل ما أراد المنتصرون أن يُروى. ❞
❝ الوثيقة لا تكذب، أما الذاكرة فتخون، خاصة إذا أُغرِقَت في المجد أو المال. ❞
❝ التعليم التاريخي عندنا يبدأ من نهاية الحدث، لا من بدايته، فيفقد التلميذ القدرة على التساؤل. ❞
❝ لا يمكن لثائرٍ حقيقي أن يخاف من الوثائق، بل هو أول من يدعو إليها. ❞
الفصل الأول: لماذا نكتب التاريخ؟
يفتتح الدكتور إبراهيم عبده الكتاب بالتساؤل الأساسي: هل نكتب التاريخ من أجل الحقيقة أم من أجل السلطة؟
يميز بين التاريخ الأكاديمي الذي يعتمد على الوثيقة، والتاريخ السياسي الذي يعتمد على الرغبة في تزييف الوعي.
يضرب أمثلة من التاريخ المصري الحديث، مثل كتابة تاريخ ثورة 1952، مشيرًا إلى أنه كُتب بعيون الضباط لا المؤرخين.
الفصل الثاني: غياب الوثيقة وحضور الدعاية
يناقش كيف تم تأريخ الأحداث الكبرى — مثل حريق القاهرة 1952، أو وفاة عبد الناصر، أو الخلاف بين عبد الناصر والسادات — دون وثائق أصلية.
ينتقد اعتماد المؤرخين العرب على الصحف والخطب كمرجع وحيد، دون الرجوع إلى مراسلات، أو أرشيفات محايدة.
يورد حالات تم فيها طمس وثائق رسمية أو منعها من التداول، مثل وثائق “مفاوضات الجلاء” و”الملف الفلسطيني”.
الفصل الثالث: التاريخ الشفهي وأسطرة الأبطال
يتناول بشيء من السخرية كيف تتحول الشهادات الشخصية إلى حقائق مطلقة في الإعلام والكتب.
يضرب مثالًا بسرديات السادات عن دوره في الثورة، أو روايات الإعلام الرسمي عن انتصار 6 أكتوبر، مع تهميش روايات الضباط الميدانيين.
يشبه التاريخ الشفهي بمرآة مشروخة تعكس ما يريده الراوي لا ما حدث فعلًا.
الفصل الرابع: الإعلام مؤرخًا مزيفًا
يشير إلى أن الصحافة المصرية لعبت دورًا كبيرًا في تزوير التاريخ، لا سيما في فترات الحكم الفردي.
ينتقد صحفًا مثل الأهرام في عهد هيكل، ويؤكد أن كثيرًا مما كُتب لم يكن “تقريرًا صحفيًا” بل “رواية سياسية” موجهة.
يدعو إلى إعادة فتح أرشيف الصحافة كوثيقة تاريخية، ولكن بعين نقدية.
الفصل الخامس: ضياع التاريخ الفلسطيني
يرى أن القضية الفلسطينية عانت من ضياع تاريخها بسبب غياب التوثيق العربي.
يقول إن الإسرائيليين وثّقوا كل شيء، بينما اعتمد العرب على العاطفة والخطابة.
ينتقد تجاهل الأرشيفات البريطانية والفرنسية التي تحتفظ بوثائق دقيقة عن فلسطين.
الفصل السادس: من يملك كتابة التاريخ؟
يختتم الكتاب بطرح الأسئلة الكبرى:
هل يجب أن تكتب الدولة تاريخها؟
هل يسمح النظام السياسي بوجود “تأريخ بديل”؟
من يحمي الوثائق من الحذف والتزييف؟
يدعو إلى تأسيس هيئة مستقلة للوثائق والتأريخ، تكون تحت إشراف أكاديمي لا حكومي.
السيرة الذاتية للدكتور إبراهيم عبده:
الدكتور إبراهيم عبده هو أكاديمي ومفكر مصري معني بالتاريخ السياسي والنقد الإعلامي، تميز بكتاباته الجريئة والناقدة للسلطات الرسمية، سواء في السياسة أو الإعلام أو التأريخ. درّس الصحافة والتاريخ المعاصر في عدد من الجامعات المصرية، وله إسهامات معتبرة في نقد التاريخ الصحفي والتوثيق الإعلامي.
من أبرز مؤلفاته:
تاريخ بلا وثائق
مصر بين الصحافة والسلطة
الصحافة المصرية: مائة عام من السياسة والمهنة
وقد عُرف بموقفه الصريح من تزوير الوثائق التاريخية في فترات سياسية متقلبة، ودعا دائمًا إلى ضرورة استقلال البحث التاريخي عن السلطة والنفوذ.
خلاصة فكر الكتاب:
التاريخ الحقيقي لا يُكتب في البلاط، بل في الأرشيف.
ما لم نملك حُرية الوثيقة، سنظل نكرر أسطورة المنتصر.