كتاب “الإسلام بين الشرق والغرب” للمفكر والفيلسوف والبوسني الراحل علي عزت بيجوفيتش، وهو من أعمق ما كُتب عن الإسلام من منظور حضاري وفلسفي وإنساني، ويمثل صرخة عقل وقلب في وجه العلمنة والإلحاد والانقسام بين الروح والجسد، والعقل والإيمان، والعلم والدين.
مقدمة الكتاب
يقدم علي عزت بيجوفيتش كتابه لا باعتباره كتابًا في العقيدة أو الفقه، بل كـ”تأمل فلسفي” في الإنسان والإسلام والحضارة.
ينتقد الثنائية الغربية التي تفصل بين الجسد والروح، ويُظهر كيف أن الإسلام وحده هو الذي يجمع بين الروحانية والعقلانية، الإنسان والطبيعة، الدين والعلم.
الفصل الأول: الدين والحياة
يتناول طبيعة الإنسان المتدين، والفرق بين التدين الفطري الذي ينشأ من معاناة الإنسان وتساؤله، والتدين المصطنع الذي تخلقه السلطة أو العادة.
يشدد على أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعبد ويشك ويتأمل في الموت، مما يجعله في بحث دائم عن معنى الحياة.
يرى أن الإسلام هو استجابة شاملة لهذا القلق الوجودي لأنه لا يلغي الجسد باسم الروح، ولا يطمس الروح باسم العقل.
الفصل الثاني: الثقافة والحضارة
يفرق بين الثقافة (كتعبير عن القيم والمعاني الروحية والأخلاقية)، والحضارة (كتقدم مادي وتقني).
يوضح أن الغرب يملك حضارة بلا ثقافة، بينما الشرق يملك ثقافة بلا حضارة.
الإسلام، بحسبه، يمثل توازنًا فريدًا يجمع بين البناء الأخلاقي والتقدم العلمي.
الفصل الثالث: الأخلاق والسياسة
ينتقد انفصال السياسة عن الأخلاق، كما هو في النموذج الغربي، حيث تُعامل السياسة كفن للمصلحة والقوة.
يوضح كيف أن الإسلام يربط بين القانون والأخلاق، وبين الدولة والضمير.
الإسلام ليس ثيوقراطية، لكنه ليس علمانية أيضًا؛ بل نظام يقوم على التكامل بين القيم والسلطة.
الفصل الرابع: الفن والدين
يستعرض تاريخ الفن في الثقافات المختلفة، مشيرًا إلى أن الفن الديني الإسلامي فريد لأنه لا يعبد الصورة، بل يُعبر عن الروح.
يرى أن الفن الإسلامي تجلٍ للجمال الرباني بدون تجسيد، من خلال الزخرفة، الخط، العمارة، والأنغام.
يربط الفن الحقيقي بالمطلق، ويقول إن كل فن عظيم له روح دينية وإن لم يكن متدينًا شكليًا.
الفصل الخامس: العلم والدين
يتناول العلاقة بين العقل والإيمان، والعلم والدين.
ينتقد النظرة الغربية التي ترى العلم والدين في صراع دائم.
في الإسلام، لا يوجد تناقض بين العقل والنقل، بل تكامل: “اقرأ” أول آية نزلت، وهي توحد بين المعرفة والوحي.
الفصل السادس: الإسلام – الوحدة الثنائية
يرى بيجوفيتش أن الإسلام وحدة ثنائية فريدة: توفيق بين الروح والمادة، بين الفرد والجماعة، بين الحرية والمسؤولية.
ليس الإسلام مادية ولا روحانية مجردة، بل هو دين الإنسان الكامل الذي يُعانق الأرض وهو ينظر إلى السماء.
الإسلام وحده، كما يرى، يقدم رؤية متكاملة للوجود لا نجدها في الماركسية ولا في المسيحية، ولا في العلمانية الغربية.
الخاتمة: نحو إنسانية جديدة
يدعو الكاتب إلى نهضة روحية وعقلية جديدة، تتجاوز مأزق الحضارة الغربية المادية والفراغ الروحي الشرقي.
لا خلاص للإنسان إلا بـ”الإنسان الكامل” الذي يعيد الاعتبار للمعنى، للأخلاق، وللمقدس.
الإسلام، كما يعرضه بيجوفيتش، ليس فقط دينًا، بل طريقة لفهم العالم والحياة والإنسان.
أهم الأفكار والمقولات
“الحيوان لا يعرف الملل… الإنسان وحده يملك هذا الإحساس”.
“كل ما هو إنساني يولد من موقف مزدوج تجاه العالم”.
“الثقافة هي ما يبقى عندما ننسى كل شيء”.
“الإسلام لا يعرف الرهبانية ولا العدمية… هو طريق الإنسان المتوازن”.
ملاحظات ختامية
الكتاب خليط من الفكر الفلسفي والتأمل الوجودي والنقد الحضاري.
كتبه بيجوفيتش في السجن، بعيدًا عن الضغوط، فجاء عميقًا، بعيدًا عن الخطابة والسطحية.
هو من أهم الكتب الفكرية الإسلامية في القرن العشرين، ويحتاج إلى قراءة متأنية وتأمل طويل.