في زمن تتشابك فيه خيوط السلطة مع أدوات الاتصال، ويصبح الخبر أداة للتأثير أكثر من كونه وسيلة للإخبار، يأتي كتاب “الإعلام السياسي: مقدمة نقدية” ليضع القارئ أمام المرآة الصادقة للعلاقة المعقّدة بين السياسة ووسائل الإعلام، ويكشف كيف تتشكل الرسائل، وتُصنع الصور الذهنية، وتُدار العقول في عصر الإعلام الموجّه.
الكتاب، الذي ترجمته سارة كمال عن المؤلفة هيذر سيفجني، ليس عرضًا أكاديميًا جافًا، بل دراسة نقدية متعمقة توظف التاريخ والتحليل والمقارنة، لتفكيك البنية التي يقوم عليها الإعلام السياسي المعاصر، بدءًا من غرف الأخبار ودهاليز الحملات الانتخابية، وصولًا إلى الحروب النفسية والدعاية الناعمة.
مضمون الكتاب وفكرته الأساسية
يركز المؤلف على أن الإعلام السياسي لم يعد مجرد “ناقل” للأحداث، بل تحول إلى “فاعل” أساسي في صياغة القرارات السياسية وتشكيل الرأي العام، بل وحتى في إسقاط الحكومات أو دعمها. يطرح الكتاب تساؤلات حادة حول من يملك المعلومة، ومن يقرر كيفية عرضها، ومن المستفيد من الزاوية التي تُروى بها القصة.
أبرز المحاور والفصول
تطور الإعلام السياسي عبر التاريخ، من الصحافة المطبوعة إلى المنصات الرقمية.
أدوات الخطاب السياسي وكيفية صياغة الرسائل المؤثرة.
الحملات الانتخابية والإعلام: تحالفات ومواجهات.
الإعلام الحربي وصناعة العدو.
شبكات التواصل الاجتماعي كقوة ضغط سياسية جديدة.
ملكية وسائل الإعلام وتأثيرها على التوجهات التحريرية.
البُعد النقدي
لا يكتفي الكتاب برصد الظواهر، بل يوجه نقدًا لهيمنة المال والسياسة على المؤسسات الإعلامية، ويحذر من انزلاق الإعلام إلى دور “المتحدث باسم السلطة” بدلًا من أن يكون سلطة رقابية رابعة.
أهمية الكتاب للقارئ العربي
في بيئة عربية تزداد فيها التحديات أمام الإعلام الحر، يقدم هذا العمل إطارًا لفهم ديناميكيات القوة بين الإعلام والسياسة، ويساعد الصحفيين والباحثين والمهتمين على قراءة ما بين السطور، والتعامل بوعي مع الخطاب الإعلامي الموجه.
“الإعلام السياسي: مقدمة نقدية” ليس مجرد كتاب، بل دعوة للتأمل والمساءلة. إنه يذكّر القارئ بأن وراء كل عنوان، وصورة، وتصريح، قصة أكبر بكثير، وأن الوعي هو الحصن الأخير أمام هيمنة الإعلام الموجَّه.
عمل موجَّه لكل قارئ يريد أن يفهم ما يدور خلف عناوين الأخبار، وأن يقرأ السياسة بعيونٍ واعية، بعيدًا عن الزوايا المرسومة مسبقًا.