في كتابه “عودة الوعي”، يقدم الأديب الكبير توفيق الحكيم شهادة جريئة وصريحة عن مرحلة فاصلة في تاريخ مصر الحديث، وتحديدًا عن الحقبة الناصرية، التي اتسمت برؤية قومية طموحة، لكنها – في نظر الحكيم – افتقرت إلى الرشد الديمقراطي، وحجبت صوت العقل وراء ستار الشعارات.
الفكرة الأساسية:
يُعد “عودة الوعي” بمثابة مراجعة فكرية من الحكيم لتأييده السابق للرئيس جمال عبد الناصر، واعترافه بأنه – ومعه الكثير من المثقفين – فقدوا الوعي السياسي الحقيقي خلال تلك السنوات، حتى جاءت نكسة 1967 فهزت الضمير المصري، وأعادت إلى العقول وعيها الغائب.
المحاور الأساسية للكتاب:
- الزعيم والسلطة:
ينتقد الحكيم الأسلوب الفردي في الحكم الذي مارسه عبد الناصر، حيث تم تأليه الحاكم، وغياب المؤسسات والرقابة الحقيقية.
يؤكد أن البلاد لم تكن تُدار بروح جماعية أو تفكير ديمقراطي، بل وفق نزوات الزعيم وأوامره.
- المثقفون والصمت:
يعترف بأن المثقفين شاركوا في الجريمة بالصمت، والخضوع، بل والتصفيق أحيانًا.
يسخر من نفسه ومن مجايليه الذين سمّوا الاستبداد “كرامة وطنية” و”قيادة حكيمة”، حتى سقط القناع بعد الهزيمة.
- النكسة:
يعتبر هزيمة 1967 ليست مجرد سقوط عسكري، بل هي انهيار حضاري وفضيحة فكرية، كشفت الزيف الذي كنا نعيش فيه.
وصف تلك اللحظة بأنها كانت بداية عودة الوعي الحقيقي، حين لم يعد ممكنًا مواصلة خداع الذات.
- صناعة الأصنام:
يرى أن النظام صنع أصنامًا فكرية وسياسية، وروّج لعبادة الفرد، وقتل روح النقد.
يرفض الحكيم الفكر الشمولي والتوجيه الإعلامي القسري، ويرى أنه أفسد الذوق العام والضمير الوطني.
- الديمقراطية الغائبة:
يضع الديمقراطية كحل، وينادي بضرورة عودة صوت الشعب والرقابة الشعبية والمؤسسات، كي لا يُخدع الناس مجددًا.
أهم اقتباسات الكتاب:
“إنني أكتب هذا الآن بعد أن عاد إليّ وعيي الذي غاب سنوات…”
“لقد أحببنا الزعيم، حتى ظننا أنه لا يخطئ، ولم ندرك أنه بشر… حتى فاجأتنا الهزيمة فاستفقنا.”
“لقد كنا شهود زور على عصر نحسبه مجيدًا، فإذا هو ملطخ بالاستبداد والخديعة.”
خلاصة أدبية:
“عودة الوعي” ليس كتابًا في السياسة بقدر ما هو صرخة ضمير من كاتبٍ عظيم أدرك متأخرًا حجم الخطأ الذي ساهم فيه. إنها توبة فكرية متأخرة لكنها صادقة، ومرآة لكل من باع عقله في سوق الشعارات. في هذا الكتاب، ينتفض توفيق الحكيم على نفسه، وعلى جيله، ليكتب لنا بحبر الندم وصدق الرؤية: لا قداسة لحاكم، ولا وعي بلا حرية.
أفكار الكتاب الأساسية :
- الاعتراف بالخطأ:
توفيق الحكيم يعترف أنه كان مخدوعًا بحكم عبد الناصر.
يصف تلك الفترة بأنها كانت “فقدانًا للوعي”، وأنه لم يرَ حقيقتها إلا بعد هزيمة 1967م.
- نقد الاستبداد السياسي:
ينتقد حكم الفرد وغياب المؤسسات والديمقراطية.
يرى أن عبد الناصر انفرد بالحكم وقرارات الحرب والسلم دون محاسبة.
- دور المثقفين السلبي:
يعترف بأن المثقفين ساعدوا في تضليل الشعب بتأييدهم الأعمى.
يعتبر صمتهم شكلًا من أشكال الخيانة الفكرية.
- نكسة 1967 كصدمة وعي:
الهزيمة كشفت الزيف الذي كان يغلف المشهد السياسي والإعلامي.
يصفها بأنها لحظة انكشاف الحقيقة و”عودة الوعي”.
- عبادة الزعيم:
يحذر من صناعة الأصنام السياسية وتقديس الأشخاص.
يرفض تصوير الحاكم كمنقذ أو نبي.
- الدعوة إلى الديمقراطية:
يطالب بالحريات العامة، والتعددية، وحرية التعبير والنقد.
يعتبر الديمقراطية هي الضمان الوحيد لعدم تكرار نفس الأخطاء.
خلاصة:
كتاب “عودة الوعي” شهادة صريحة من توفيق الحكيم على زمن غابت فيه الحرية وحُجب فيه العقل، قبل أن توقظه الهزيمة المدوية. إنه تأمل نادم في مرحلة من التضليل الذاتي والوطني، ودعوة جريئة للصحوة السياسية والفكرية.
اقتباسات مختارة:
- الاعتراف الصادم:
“لقد كنت أحد الذين ركبهم ذلك الوهم، فسرت في ركاب عبد الناصر وأنا أظن أنني في ركاب الثورة.”
- عن غياب العقل الجماعي:
“لقد كان كل شيء يتم باسم الشعب، دون أن يكون الشعب حاضرًا أو مشاركًا أو حتى سامعًا.”
- عن عبادة الفرد:
“إن الزعيم الذي لا يُنتقد، يتحول إلى إله… والإله لا يُسأل عما يفعل.”
- لحظة الوعي:
“حين وقعت الهزيمة، أحسست أنني أستيقظ من نوم طويل… وكأنني أعود إلى الوعي.”
- حول المثقفين الصامتين:
“لقد خُنّا الثقافة حين صمتنا، وخُنّا الوطن حين زينا له الباطل.”
- في نقد الإعلام المضلل:
“كنا نعيش على بيانات تكتبها الأقلام المرتعشة، وتذيعها الأفواه المرتزقة.”
- عن هزيمة 1967:
“لم تكن الهزيمة في الميدان فقط، بل في الوعي، وفي الضمير، وفي الكلمة.”
- دعوة إلى الحرية:
“الحرية ليست ترفًا فكريًا، بل هي الهواء الذي تتنفسه الحقيقة.”
- الرسالة النهائية:
“لقد أضعنا سنينًا من عمر مصر في الظلام… فليكن هذا الكتاب شمعة للآتين.”
الكتاب كُتب بمرارة الندم وصدق الصحوة، فكانت لغته قوية، وعباراته موجعة، لكنها تحمل قيمة تاريخية وفكرية نادرة في أدب الاعتراف السياسي.