الأمة الثقافية

قراءة في كتاب “قذائف الحق” للشيخ محمد الغزالي

كتب الشيخ محمد الغزالي (رحمه الله) في كتابه “قذائف الحق”:

انتسبتُ لجماعة الإخوان في العشرين من عمري، ومكثت فيها قرابة سبع عشرة سنة، كنت خلالها عضواً في هيئتها التأسيسية، ثم عضواً في مكتب الإرشاد العام..

وشاء الله أن يقع نزاع حاد بيني وبين قيادة الجماعة، انتهى بصدور قرار يقضي بفصلي وفصل عدد آخر من الأعضاء.

وبعد عدة شهور من ذلك الحدث صدر قرار حكومي بحل الجماعة كلها والإجهاز على جميع أنشطتها.

وأريد أن أكون منصفاً، فإن الزعم بأن جميع الإخوان أشرار؛ سخف وافتراء، والزعم بأن الجماعة كلها كانت معصومة من الخطأ؛ غرور وادّعاء..

وليس ذلك ما يعنيني هنا، إنما الذى يعنيني أمر آخر هو الأهم والأخطر، عند الله وعند الناس، أمر الإسلام نفسه.

قال لي أحد الناس: ليذهب الإخوان إلى الجحيم!

قلت له: اسمع، مصاير الناس بيد الله وحده، وليذهب من شاء إلى الجحيم.. لكن هل يذهب الإسلام إلى الجحيم معهم؟

قال: لا.

قلت: دعني من العناوين ولنتحدث في الموضوع. هل نترك كتاب ربنا وسنة نبينا أم نتشبث بهما ونحرص عليهما؟

فأجاب بعد تريّث: لا نترك ديننا!

قلت: هل ننفذ من ديننا ما نحب ونهمل ما نكره، أم نطيع الله في كل ما أمر به ونهى عنه؟ إن هناك نصوصاً في الكتاب والسُّنة معطلة محكوماً عليها بالموت، ونصوصاً أخرى تنفذ جزئياً ولا يؤذن بتطبيقها على وجه كامل، فهل تبقى هذه الأوضاع أم ينبغي إصلاحها؟

قال: لكن هذا ما يقوله الإخوان المسلمون!!

قلت له: دعني من جماعة الإخوان، فقد نفضت يدي من العناوين، أنا أتحدث عن الإسلام نفسه، وعن المنحدر الذي وقع فيه، وعن الأمة الكسيرة التى تنتمي إليه، ألم نتفق على ضرورة التمسك بكتاب ربنا وسنة نبينا؟

قال: بلى!!

قلت: وذاك ما نريد أن نتعاون على بلوغه، ونرسم الخطة المثلى لتحقيقه!

ولعلك ترى معي بعد ذلك أن الانتساب للإسلام ليس جريمة، وأن الجريمة هي تشويه نهجه وإنكار هديه وترك أعدائه أحراراً في النيل منه..

قال: أشعر أنك تجرني بدهاء إلى جماعة الإخوان!!

قلت له: يا أخي تخل عن هذه العقدة التى تحكمك.. إننى أريد أن أعمل للإسلام الذي رفع علمه خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وخلفه على مواريثه أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ.. هذا المصحف المهجور في دواوين السلطة، وفي أرجاء المجتمع، نريد أن نؤنس وحشته ونرفع شعاره.

دعني من أى تجمع حدث في هذا العصر، ولننس الأشخاص الذين اشتهروا، ولنطو صحائفهم بما فيها من خطأ وصواب ولنعمل للإسلام وحده..

فسكت متردداً حائراً.

قلت له: اسمع، إن هناك قوماً يكرهون الإسلام ذاته ويخدمون بكراهيته القوى الثلاث التي تجمعت ضده اليوم:

الشيوعية، الصهيونية، الصليبية، وهؤلاء يريدون أن يجعلوا من كلمة “الإخوان” سيفاً مصلتاً على عنق كل مخلص له عامل في حقله، وأنا أرفض هذا الخلط..

إن إرهاب المجاهدين في سبيل الله بوصفهم إخواناً، ووضع العوائق أمام النهضة الإسلامية بزعم أن ذلك منع لعودة الجماعة المنحلة، إن هذا وذاك خيانة عظمى، وارتداد عن الملة..

لقد أصبح التجمع على الإسلام ضرورة حياة في وجه اليهود الذين احتلوا أجزاء حساسة من أرضنا، ويوشك أن تكون لهم وثبة أخرى ربما كانت نحو عواصمنا

وبقية مقدساتنا، فاصطياد الريب لهذا التجمع لا أستطيع وصفه إلا بأنه عمل لمصلحة بني إسرائيل..

إن الخطة التي وضعت لمحاربة جماعة الإخوان لا يسوغ أن تستفل لمحاربة الله ورسوله.

ويسوءني أن الذين رسموا هذه الخطة يحاولون أن يقضوا بها على الدين نفسه، والفرق واضح بين دين له قداسته، ونفر من الناس لهم خطؤهم وصوابهم.

——————-

كتاب “قذائف الحق” للشيخ محمد الغزالي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى