قراءة في كتاب «مملكة التجسس» للدكتور منصور قدور بن عطية
الجزائر من بين الدول التي وقعت ضحية برنامج بيغاسوس
قراءة علجية عيش
(المؤرخ أرنولد توينبي: 19 حضارة تقوضت من الداخل بواسطة شبكات التجسس)
ما تزال العديد من الدول ومنها الجزائر تعرب عن قلقها العميق لبرنامج بيغاسوس واستخدام بعض الدول «المُطَبِّعَة» لهذا البرنامج في تجسسها على مسؤولين كبار وحتى مواطنين ومدافعين عن حقوق الإنسان في كل ربوع العالم،
وكانت الجزائر قد اتُّهِمَتْ باستخدامها هذا البرنامج التجسّسي من قبل منظمة مراسلون بلا حدود،
فكان لها ان ترفع دعوي قضائية أمام الهيئات القضائية الفرنسية مؤكدة عن طريق سفيرها بفرنسا بعدم امتلاكها هذا البرنامج
واصفة التهمة بأنها حملات تشويش ضد الجزائر باعتبارها قوة إقليمية يسعى البعض لاستهدافها من خلف الستار.
اللقاء بمؤلف «مملكة التجسس» كتاب د. منصور قدور بن عطية
على هامش توقيعه هذا الكتاب خلال المعرض الدولي للكتاب (سيلا 2024) التقينا بالكاتب والباحث منصور قدور بن عطية وفي السياق تحدث صاحب الكتاب عن العديد من المسائل التي تعاني منها الأمة العربية الإسلامية خاصة ما تعلق بالمسألة اليهودية التي عالجها مفكرون ومن بينهم مالك بن نبي،
إذ يري محدثنا ان طوفان الأقصى والاتفاقات الإبراهيمية تطرح المسألة اليهودية في العالم العربي الإسلامي وفي شمال افريقيا وفي الجزائر بشكل خاص،
كون المسالة لا تزال ورقة في يد فرنسا، التي تعمل علي مشروع تهدئة الذاكرة،
أي ان الذاكرة بين الجزائر وفرنسا ما زال قائما كصراع صاخب وعنيف، بدليل أنه تم تكليف المؤرخ بنيامين سطورا بكتابة التهدئة،
ليشير أن اليهود في فرنسا أغلبهم من شمال إفريقيا، وقال أن طرح هذه المسألة في الوقت الحالي ليس طرحا بريئا وله أغراض معينة،
كان لنا لقاء مع هذا الباحث وهو يجري عملية توقيع لكتابه «مملكة التجسس» وهو يدور حول عالم الجوسسة باعتبارها أداة لمعرفة اسرار الأخر وطرق تدميره ومخططاته،
الكتاب صادر عن دار الوغي للنشر والتوزيع طبعة أولي 2023 وهو يقع في ثلاثمائة (300) صفحة..
يدعو فيه القارئ العربي والجزائري بصفة خاصة للقيام برحلة من أجل التعرف عن إحدى طرق الجوسسة فيما سُمِّيَ بـ: برنامج «بيغاسوس» PEGASUS،
بعد انفجار قضية التجسس من خلال هذا المشروع وهو كما يقول برنامج صهيوني تحصلت عليه حوالي 11 دولة لاستخدامه في عمليات تجسس واسعة استهدفت الهواتف النقالة.
من بين هذه الدول المغرب، حسب الأرقام التي ذكرها صاحب الكتاب تم التجسس على 10 ألاف رقم من بين 50 ألف رقم محتمل،
بعض الأرقام تعود لمغاربة (الجزائر والمغرب) وأخري لمواطنين من فرنسا، اسبانيا، بلجيكا، ما دفع بالكاتب إلى متابعة هذه القضية، بعد أن كشف تحقيق دولي عن خيوطه؟
ومن هم مؤسسي «نادي بيغاسوس»؟
ومن هم صدقاء النادي، ومن هي الدول التي كانت تحت المراقبة؟،
البداية كما يقول كانت بين سنة 2021 و 2022 من خلال جمع المادة الإعلامية وكل ما تم نشره حول هذا الملف في وسائل الإعلام العربية والغربية كالجزيرة، صحيفة لوموند، يورو نيوز، الغارديان، روسيا اليوم وفرانس 24 ..الخ،
واطلاعه على بعض الدراسات العلمية ، خاصة بعد ظهور قائمة أخرى تؤكد عمليات تجسس على 1400 رقم هاتف في العديد من الدول ووضعها تحت المراقبة،
حيث قدم في كتابه تساؤلات حول علاقة البرنامج بالشركة الإسرائيلية ( أن أس أو) للتكنولوجيا،
لاسيما والبرنامج يدخل ضمن البروباغندا للتعامل مع الاخر، في مقابل سياسة الماترويشكا كلما تعلق الأمر بالملكية والبرافدا في مواجهة الجزائر،
الملاحظ أن الجزائر كانت من بين الدول المستهدفة كونها من بين الرافضين للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو يسرد الحقائق،
اعتمد الكاتب على المنهج التحليلي والتاريخي مقدما في ذلك ثلاثون (30) قصة تتعلق بمشروع بيغاسوس، هذه القصص تم نشرها من قبل 18 منظمة.
حسب الميثولوجيا الإغريقية فـ: «بيغاسوس» هو حصان أسطوري مجنح أنشأه «بوسايدون» أو بوسيدون أو بوزيدون (حسبما جاء في الويكيبيديا) وهو إله البحر والعواصف والزلازل والخيول، جاء ذكره في أسطورة هرقل ابن زيوس وكان له دور كبير في الأساطير اليونانية القديمة،
وقد قامت شركة (أن أس أو) بإنتاج برنامج سَمّته بيغاسوس نسبة الى هذه الأسطورة، وكانت هذه الشرطة أشهر مجموعة للتجسس وفي محاربتها السياسيين والمعارضين والصحافيين،
في هذه الرحلة للتعرف عن عالم الجوسسة يعود بنا الكاتب إلى الوراء وما وقع من أحداث وكيف كان الملوك اليهود يخترقون حصون مملكة فارس،
وذكر من بينهم الملكة اليهودية «استر»، لما كانت زوجة لملك فارسي، ويحتفل اليهود بذكرها في عيد بوريم أو فوريم، وكل من تطوع لخدمة إسرائيل، حسب الكاتب يعتبر برنامج بيغاسوس من أخطر برامج التجسس وهو يستهدف أساسا الأجهزة الذكية،
التي تعمل بنظام التشغيل «أي أو أس» (ios) لشركة أبل ، لكن توجد منه نسخة لأجهزة «أندرويد» تختلف بعض الشيء عن النسخة الأولي.
قدرة البرنامج في التجسس على قراءة الرسائل النصية في الهواتف
في الصفحة 17 يتحدث الدكتور منصور قدور بن عطية عن قدرة البرنامج في التجسس من حيث قراءة الرسائل النصية في الهواتف،
وإضافة أو إزالة الملفات وطرق تثبيت الفيروس علي أي جهاز كمبيوتر، ذلك عن طريق معرفة البريد الإلكتروني للشخص،
وأمور أخري قد لا ينتبه لها صاحب الهاتف ،وكشفت التحقيقات التي قامت بها شركات عالمية عن الدور الذي يقوم به بيغاسوس في التصنت علي هواتف نشطاء حقوق الإنسان وإعلاميين،
هو ما قامت به شركة nso الإسرائيلية عندما اخترقت هواتف شخصيات لها علاقة بخاشقجي،
بالإضافة الي اختراق هواتف أكاديميين ودبلوماسيين، وتعدّ الجزائر من الدول التي كانت ضحية برنامج التجسس الإسرائيلي،
وكانت مراقبة عن كتب، خاصة خلال فترة الحراك الشعبي الذي أدى إلى تنحي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حيث استهدفت عملية التجسس جزائريين فاق عددهم 6 ألاف سياسيي دبلوماسي وأمني جزائري ووزراء وقادة عسكريين جزائريين،
أما عن نادي بيغاسوس فهو يضم 11 بلدا، منها: المغرب، السعودية الإمارات، البحرين، أذربيجان، الهند، المكسيك،
حيث كشفت (حسبما جاء في الكتاب) منظمة العفو الدولية بأن النظام المغربي عميل للشركة الإسرائيلية المالكة للجاسوس الإلكتروني،
وكانت الجبهة المغربية لدعم فلسطين قد أدانت بشدة العلاقات المغربية الإسرائيلية، خاصة بعد الاتفاقية التي أبرمتها منذ سنتين مع وزير الخارجية الإسرائيلي من أجل التطبيع مع الكيان الصهيوني، (ص162-164)
وكذلك تجسسها على الحكومة الفرنسية فيما سمي بسقوط ورقة التوت، في عملياته التجسّسية استعمل المغرب حواسيب شركة إيطالية تسمي (اكينغ تيم) بالاعتماد على اساليب مؤسسات إعلامية كـ: «البرافدا» وهي صحيفة سوفياتية تأسست عام 1912 .
العلاقات بين فرنسا وإسرائيل في مسائل تتعلق بالتجسس
كانت هذه تقارير نشرتها صحف عالمية جمعها الكاتب، مبرزا العلاقات بين فرنسا وإسرائيل وبالأخص في مسائل تتعلق بالتجسس والتي مست منظمات حكومية وغير حكومية والعائلات المالكة و الحاكمة،
الغرض منها قمع حرية التعبير وتعزيز السلطة الحكومية وتقويض الحريات الأساسية بما في ذلك التجمع والتجمهر والمعارضة السياسية وجمع المعلومات بهدف التشويش والتحريض واختراق الحياة الخاصة بهدف المساومة والتشهير،
ويمكن القول أن ما جاء في الكتاب هو تحصيل حاصل لعمليات تجسس استهدفت عدة دول، إلا أن الكاتب قد أثري الموضوع من خلال إبراز بعض الحقائق التي تخفي على البعض كون قضية «الجوسسة» قديمة ضاربة جذورها في أعماق التاريخ البشري،
حيث تعود إلى عهد ما قبل الإسلام، وبالرجوع إلى الكتابات حول «عالم الجوسسة» نقف على أن الجاسوسية قديمة قدم التاريخ عرفها الإنسان،
ويعتبر الفراعنة أقدم من استخدم العمليات السرية، وكان طبيبا مصريا قد أرسل من طرف القائد المصري القديم سنوحي إلى بابل، وزوده بمقدار من الذهب ليباشر عمله كطبيب ويكتشف عن كثب خفايا شؤونها، في ذلك الوقت كانت سوريا جزءا من امبراطورية مصر،
وكانت بابل وبلاد الحيثيين من أقوى الدول التي تهدد أمن مصر، وكذا بالنسبة لحنابعل القرطاجي، فقد استخدم هذا الأخير في حملة صقلية عميلا له فأرسله إلى صقلية متخفيا في ثياب جندي من أهل صقلية له تاريخ طويل في القتال
وذلك للاستيلاء على صقلية، وبذلك ازدادت أهمية الجاسوسية وأخذت أساليبها تتطور، بتطور التكنولوجيا و الذكاء الاصطناعي ولو أن هذا العمل يحتاج إلى قوة بدنية وذكاء خارق للعادة، كما يتطلب نفقات باهظة.
توينبي: تسعة عشر ( 19) حضارة قوضتها شبكات التجسس
وقد ثبت من المؤرخ المعاصر أرنولد توينبي أن تسعة عشر ( 19) حضارة تقوضت من الداخل بواسطة شبكات التجسس والمخربين،
فقد كانت هذه الأعمال وراء انهيار الإمبراطورية اليونانية والإمبراطورية الرومانية، ولعل الملك رمسيس الأول فرعون مصر، أول من نظم شبكة جاسوسية،
أما الإسكندر المقدوني فأول من استعمل البريد كوسيلة للتجسس، وعن المهلب أنه كان يوصي أولاده فيقول: «عليكم بالمكيدة في الحرب فإنها أبلغ من النجدة»،
هكذا عرف العرب التجسس في الإسلام كشرط لتحقيق النصر على الأعداء، وسمّى العرب الجواسيس «عُيُونًا»،
وكان من أشهر جواسيسهم نعيم بن مسعود الأشجعي الذي لعب دورا مهما في غزوة بدر والخندق،
كما اخترق العرب الكتابة بالحبر السرّي من سائل البصل، كما استخدموا عصير الليمون كحبر سري،
وفي هذا سَبْقٌ كبيرٌ في فن وعلم التجسس، أما الانطلاقة الحديثة للتجسس كانت من الغرب،
وكانت على يد الكاردينال ريشيلو الذي جعل من الاستخبارات ركنا من أركان الدولة وقد سمّاها بـ: «الجاسوسية الدبلوماسية»،
كما أبدى نابليون اهتماما خاصا بالجاسوسية وهو القائل: «إن جاسوسا واحدا في المركز الملائم هو أفضل وأقوى فعالية من عشرين ألف جندي في ميدان المعركة»،
أما الإنجليز فقد أطلقوا على الجاسوسية اسم الخدمة الذكية intelligence service، وسمّاها الفرنسيون اسم المكتب الثاني bureau2،
وانطلق الأمريكان في وكالة الاستخبارات المركزية (c.i.a) التي أصبحت أقوى وأخطر مؤسسة في العالم وكذلك السوفيات الذين سموا مصلحة استخباراتهم بـ: (k.g.b) دون إغفال جهاز الاستخبارات الصهيوني (الموساد)،
وليس اليابانيون حديثي عهد بالجاسوسية، فلما قررت اليابان إعداد منظمة كاملة للجاسوسية، أنشأت معاهد لتدريب الجواسيس في أرض اليابان،
وفي أرض الصين وفي كوريا، وظهرت هذه المنظمات على أنها معاهد للثقافة الرياضية ومعاهد للمصارعة اليابانية وما شابه ذلك من المنشآت،
والجاسوس كما تقول الدراسات نوعان: الأول هو الجاسوس الذي يتجسس لصالح بلده وهو «الجنديٌّ المجهول» الذي ترفعه أمته إلى مصاف العظماء.
الكاتب في سطور:
هو من مواليد 1984 بمستغانم الجزار حاصل على ليسانس في العلوم القانونية والإدارية والكفاءة المهنية للمحاماة وشهادة ماستر بحث في القانون الخاص المعمع،
اشتغل في الصحافة منذ 2007، قضى 10 سنوات صحفيا بالإذاعة الجزائرية قبل ان يلتحق في سنة 2017 بوكالة الأنباء الجزائرية إلى غاية اليوم،
عمل أستاذا متعاقدا بجامعة مستغانم قسم الإعلام والاتصال،
وكانت له مشاركات عديدة في الندوات والملتقيات العلمية داخل الجزائر، وهو مستشار قانوني لعدة جمعيات وطنية ومحلية.