في تطور لافت يشير إلى تحولات جارية في السياسة الخارجية السورية، عبّر وزير الخارجية السوري الجديد، أسعد الشيباني، خلال زيارته إلى موسكو يوم الخميس 31 يوليو 2025، عن رغبة دمشق في إقامة علاقات “صحيحة وسليمة” مع روسيا، مؤكداً أن المرحلة المقبلة ستشهد إعادة تقييم شاملة للاتفاقيات السابقة بين البلدين، في إشارة ضمنية إلى التحول السياسي الذي تشهده البلاد منذ تولي الرئيس أحمد الشرع الحكم خلفاً لبشار الأسد.
بداية مرحلة جديدة من التعاون
تصريحات الشيباني، التي جاءت خلال لقائه مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، أوضحت أن سوريا تسعى لإعادة تشكيل تحالفاتها على أسس “العدالة الانتقالية” وبناء الدولة، لا على مجرد “الاصطفاف السياسي”، كما كان عليه الحال خلال سنوات الحرب. وأكد الوزير السوري أن بلاده تطمح لبناء شراكة مع روسيا تقوم على “المصالح المتبادلة، ودعم مسار التعافي، وتعزيز الاستقرار الإقليمي”.
وأكد أن العلاقة الجديدة بين دمشق وموسكو ستكون استراتيجية، وستشمل كل المسارات، من الأمن إلى الاقتصاد، مشدداً على أن سوريا “تمد يدها للعالم”، في تعبير واضح عن رغبة النظام الجديد في الانفتاح بعد عقود من العزلة.
روسيا تؤكد دعمها للرئيس الشرع
من جهته، رحب لافروف بالزيارة، وعبّر عن تطلع موسكو لحضور الرئيس السوري أحمد الشرع القمة الروسية العربية الأولى المقررة في 15 أكتوبر المقبل في موسكو، في خطوة رمزية تشير إلى استعداد الكرملين لتثبيت دعمه للرئيس الجديد. وأكد الوزير الروسي أن المحادثات كانت “مفيدة جداً”، وشملت قضايا الاقتصاد والأمن والدفاع، وأنه تم الاتفاق على تشكيل لجنة روسية سورية مشتركة لدراسة المشاريع ذات المنفعة المتبادلة، ومساهمة روسيا في عملية إعادة الإعمار السورية.
كما جدّد لافروف التأكيد على التزام روسيا بوحدة أراضي سوريا، ورفضها تحويل دمشق إلى “ساحة تنافس جيوسياسي”، داعياً إلى رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، وواصفاً إياها بأنها “تضر بالشعب أكثر مما تؤثر على الحكومة”.
التحديات الأمنية والتدخلات الإسرائيلية
اللقاء تطرّق أيضاً إلى الوضع الأمني الداخلي، وخصوصاً ما شهدته محافظة السويداء مؤخراً من اضطرابات. وأكد الشيباني أن بعض الأطراف المسلحة تحاول تصوير دمشق على أنها غير قادرة على حماية المدنيين، في وقت تتعرض فيه البلاد لـ”اعتداءات إسرائيلية متكررة” تُعيق جهود إعادة الإعمار. وقال إن “أي تدخل خارجي ستكون نتيجته الفوضى”، مشدداً على أن الدولة السورية “ملتزمة بالحوار وتمثيل جميع أبناء الشعب في البرلمان”، بما في ذلك الأقليات.
قراءة مستقبلية للعلاقات
استمرار التحالف ولكن بشروط جديدة
يمكن القول إن تصريحات الوزير الشيباني تعكس سياسة جديدة تسعى لموازنة العلاقات بين الشرق والغرب، مع الحفاظ على التحالف مع موسكو ولكن ضمن شروط ومعايير مختلفة. فالعلاقة لم تعد فقط قائمة على الدعم العسكري كما كانت في عهد الأسد، بل تتجه نحو شراكة اقتصادية وتنموية متكاملة، تضع روسيا في موقع الشريك وليس الحامي.
روسيا أمام اختبار نفوذها في سوريا الجديدة
من جانب آخر، تبدو روسيا حذرة في التعامل مع القيادة السورية الجديدة. إذ تسعى موسكو للحفاظ على امتيازاتها في سوريا، خاصة القواعد العسكرية (مثل قاعدتي حميميم وطرطوس)، ولكنها تدرك في الوقت ذاته أن الحكومة الجديدة في دمشق قد تعيد النظر في بعض الاتفاقيات التي أُبرمت في ظروف الحرب، وقد تطالب بإعادة التفاوض عليها من منطلق السيادة.
ملفات مفتوحة: من الاقتصاد إلى الأمن
من الواضح أن التعاون الأمني لا يزال أحد الأعمدة الأساسية للعلاقة، لكن الملف الاقتصادي سيأخذ حجماً أكبر في المرحلة القادمة. سوريا تحتاج إلى شراكات تنموية لإعادة الإعمار، وروسيا قد تسعى لاقتناص هذه الفرصة، لا فقط لأسباب تجارية بل للحفاظ على نفوذها الجيوسياسي في شرق المتوسط.
العلاقات الروسية السورية تدخل مرحلة إعادة صياغة حقيقية. فبينما تبدي دمشق استعداداً لاستمرار التعاون، فإنها تسعى لصيغة جديدة أكثر استقلالية، وأقل تبعية. أما روسيا، فتبدو مستعدة للانخراط في هذا التحول بشرط الحفاظ على موقعها الاستراتيجي.
القمة الروسية العربية المرتقبة في أكتوبر، والتي يُنتظر أن يحضرها الرئيس السوري أحمد الشرع، قد تشكل محطة حاسمة لتحديد شكل ومضمون هذه الشراكة في المستقبل.