الجمعة مايو 17, 2024
الشاعر محمد مصطفى حمام الأمة الثقافية

من روائع الشعر العربي الحديث:

“قصيدةُ الرِّضا”.. شعر: محمد مصطفي حَمَام

علَّمتني الحياةُ أن أتلقّى كلَّ ألوانها رضاً وقبولا

ورأيتُ الرِّضا يخفِّف أثقالي ويُلقي على المآسي سُدولا

والذي أُلهم الرِّضا لا تراهُ أبدَ الدهر حاسداً أو عَذولا

أنا راضٍ بكل ما كتب الله ومُزْجٍ إليه حَمْداً جَزيلا

أنا راضٍ بكل صِنفٍ من الناسِ لئيماً ألفيتُه أو نبيلا

لستُ أخشى من اللئيم أذاه لا، ولن أسألَ النبيلَ فتيلا

فسح الله في فؤادي فلا أرضى من الحبِّ والوداد بديلا

في فؤادي لكل ضيفٍ مكانٌ فكُنِ الضيفَ مؤنساً أوثقيلا

ضلَّ من يحسب الرضا عن هَوان أو يراه على النِّفاق دليلا

فالرضا نعمةٌ من الله لم يســعد بها في العباد إلا القليلا

والرضا آيةُ البراءة والإيــمان بالله ناصراً ووكيلا

علمتني الحياةُ أنَّ لها طعــمَين، مُراً، وسائغاً معسولا

فتعوَّدتُ حالَتَيْها قريراً وألفتُ التغيير والتبديلا

أيها الناس كلُّنا شاربُ الكأسَين إنْ علقماً وإنْ سلسبيلا

نحن كالرّوض نُضْرة وذُبولا، نحن كالنَّجم مَطلعَاً وأُفولا

نحن كالريح ثورة وسكوناً، نحن كالمُزن مُمسكاً وهطولا

نحن كالظنِّ صادقاً وكذوباً، نحن كالحظِّ منصفاً وخذولا

قد تسرِّي الحياةُ عني فتبدي سخرياتِ الورى قَبيلاً قَبيلا

فأراها مواعظاً ودروساً، ويراها سواي خَطْباً جليلا

أمعن الناسُ في مخادعة النّفــسِ وضلُّوا بصائراً وعقولا

عبدوا الجاه والنُّضار وعَيناً من عيون المَهَا وخدّاً أسيلا

الأديب الضعيف جاهاً ومالاً، ليس إلا مثرثراً مخبولا

والعتلُّ القويُّ جاهاً ومالاً، هو أهدى هُدَى وأقومُ قيلا

وإذا غادة تجلّت عليهم خشعوا أو تبتّلوا تبتيلا

وتَلوا سورة الهيام وغنّوها وعافوا القرآن والإنجيلا

لا يريدون آجلاً من ثواب الله إنَّ الإنسان كان عجولا

فتنة عمّت المدينة والقريةَ لم تَعْفِ فتية أو كهولا

وإذا ما انبريتَ للوعظ قالوا: لستَ رباً ولا بُعثتَ رسولا

أرأيت الذي يكذِّب بالدين ولا يرهب الحساب الثقيلا

أكثرُ الناس يحكمون على الناس وهيهات أن يكونوا عدولا

فلكم لقَّبوا البخيل كريماً، ولكم لقَّبوا الكريم بخيلا

ولكم أعطَوا الملحَّ فأغنَوا، ولكم أهملوا العفيفَ الخجولا

ربَّ عذراء حرّة وصموها، وبغيٍّ قد صوّروها بتولا

وقطيعِ اليدين ظلماً، ولصٍ أشبع الناس كفَّه تقبيلا

وسجينٍ صَبُّوا عليه نكالاً، وسجينٍ مدلّلٍ تدليلا

جُلُّ من قلَّد الفرنجة منا، قد أساء التقليد والتمثيلا

فأخذنا الخبيث منهم ولم نقــبسِ من الطيّبات إلا قليلا

يوم سنَّ الفرنج كذبةَ إبريــلَ غدا كل عُمْرنا إبريلا

نشروا الرجس مجملاً؛ فنشرناهُ كتاباً مفصَّلاً تفصيلا

علمتني الحياة أنَّ الهوى سَيْــلٌ فمن ذا الذي يردُّ السيولا

ثم قالت: والخير في الكون باقٍ بل أرى الخيرَ فيه أصلاً أصيلا

إنْ ترَ الشرَ مستفيضاً فهوِّن.. لا يحبُّ الله اليئوس الملولا

ويطول الصراع بين النقيضَيــنِ ويَطوي الزمانُ جيلاً فجيلا

وتظلُّ الأيام تعرض لونَيْها على الناس بُكرةً وأصيلا

فذليلٌ بالأمس صار عزيزاً، وعزيزٌ بالأمس صار ذليلا

ولقد ينهض العليلُ سليماً، ولقد يسقطُ السليمُ عليلا

ربَّ جَوعانَ يشتهي فسحة العمــرِ وشبعانَ يستحثُّ الرحيلا

وتظلُّ الأرحامُ تدفع قابيلاً؛ فيُردي ببغيه هابيلا

ونشيد السلام يتلوه سفّاحون سَنُّوا الخراب والتقتيلا

وحقوق الإنسان لوحة رسّامٍ أجاد التزوير والتضليلا

صورٌ ما سرحتُ بالعين فيها وبفكري إلا خشيتُ الذهولا

قال صحبي: نراك تشكو جروحاً، أين لحن الرضا رخيماً جميلا

قلت: أما جروح نفسي فقد عوَّدْتُها بَلسَمَ الرضا لتزولا

غيرَ أنَّ السكوتَ عن جرح قومي ليس إلا التقاعسَ المرذولا

لستُ أرضى لأمةٍ أنبتتني خُلُقاً شائهاً وقَدْراً ضئيلا

لستُ أرضى تحاسداً أو شقاقاً، لستُ أرضى تخاذلاً أو خمولا

أنا أبغي لها الكرامة والمجــدَ وسيفاً على العدا مسلولا

علمتني الحياة أني إن عشــتُ لنفسي أعِشْ حقيراً هزيلا

علمتني الحياةُ أنيَ مهما أتعلَّمْ فلا أزالُ جَهولا

———————————–

محمد مصطفى حمام

الميلاد: 1904م، فارسكور – دمياط (مصر)

الوفاة: 1964م، الكويت

تخرّج في مدرسة المعلمين العليا بمصر

عمل في العديد من الوظائف الحكومية المهمة، حيث عمل في إدارة التعاون في وزارة الزراعة، وعمل في وزارة الصناعة والشؤون الاجتماعية، ثم هجر الأعمال الحكومية عام 1952م، وتفرع للعمل في مجال الصحافة بمصر، ثم انتقل بعد ذلك إلى المملكة العربية السعودية عام 1960م، وسافر بعد ذلك إلى الكويت ليعمل كمراقب لغوي في التلفزيون.

الإنتاج الشعري:

– له ديوان كبير بعنوان «ديوان حمام»، وله ديوان بعنوان «من المحيط إلى الخليج» 

————————–

القصيدة مسموعة: اضغط

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب