قَد عِشتَ في الناسِ غَريباً وَها
قَد مُتَّ بَينَ الناسِ مَوتَ الغَريبْ
وَالناسُ مُذ كانوا ذَوو قَسوَةٍ
وَلَيسَ لِلبائِسِ فيهِم نَصيبْ
لَو كُنتَ في حَبلِكَ شَنّاقَهُم
لَوَلْوَلُوا حُزناً وَشَقّوا الجُبوبْ
أَو كُنتَ مِن سِلكٍ رَزّاقَهُم
لَقامَ عِندَ السَلِّ أَلفا خَطيبْ
وَنَزَّهوا حَبلَكَ عَن عَيبِهِ
وَبَلَّلوا السَلَّ بِذَوبِ القُلوبْ
لكِنَّكَ الحَمّالُ لَم يَطمَعوا
فيكَ وَلَم يَخشوا أَذاكَ الرَهيبْ
رَغيفُكَ الطاهِرُ غَمَّستَهُ
مِن عَرَقِ زاكٍ وَدَمعِ صَبيبْ
ما كُنتَ سَلّاباً أَخا غَصبَةٍ
بَل كُنتَ ذا حَقٍّ سَليبٍ غَصيبْ
فَرُحتَ لَم يَسكُب عَلَيكَ اِمرؤٌ
دَمعاً وَلا قَلبٌ رَفيقٌ يَلوبْ
وَلَم يُوَدِّعكَ حَبيبٌ وَقَد
يُهَوِّنُ الصَعبَ وَداعُ الحَبيبْ
حَبلُكَ وَالسَلُّ لَقَد أَودَيا
بِهَيبَةِ المَوتِ الوُقورِ الرَهيبْ
وَفيهِما لَو أَنصَفوا رِفعَةٌ
وَشاهِداً أَفضَلَ وَخَيرٍ وَطيبْ
قَد مَرَّ أَهلُ الدَربِ لَم يَأبَهوا
لِلمُهمَلِ المَطروحِ فَوقَ الدُروبْ
كَم قَد سَأَلتَ الناسَ ماءً فَلَم
يُجِبكَ النَزعُ شَفيقٌ مُجيبْ
أَو اِستَعَنتَ الطَبَّ لكِنَّما
لَم تَملِك الأَجرَ فَفَرَّ الطَبيبْ
أَو رُبَّما أَوصَيَت أَو شِئتَ أَن
توصي فَلَم يَسمَعَك حانٍ قَريبْ
رُبَّ صَغيرٍ لَكَ خَلَّفتَهُ
مُنتَظِراً إِيّاكَ حَتّى تَؤوبْ
يَرجوكَ لِلجوعِ الَّذي شَفَّهُ
يا غائِباً عَنهُ وَطالَ المَغيبْ
إِنَّ قَوافِيَّ عَلى قَحطِها
تَلقى بِمَرآكَ المَجالَ الخَصيبْ
بُرودكَ الهادىءُ قَد هاجَها
فَجَرَّرَت غَضَبي ذُيولُ اللَهيبْ
يامَوقِظَ النِقمَةِ في أَضلُعي
بَشَّعَتَ في عَيني الجَمالَ العَجيبْ
لِثَوبِكَ الرَثِّ وَإِخلاقَهُ
كَرِهتُ أَثوابَ الحَريرِ القَشيبْ
وَالجَسَدُ الجامِدُ في يُبسِهِ
كَرَّهَ لي الغُصنَ الطَرِيَّ الرَطيبْ
وَصَمتُكَ الرائِعُ يا موحِشي
بَغَّضَ لي الصَوتَ الحَنونَ الطَروبْ
زَهَّدَتني بِالعَيشِ في مَعشَرٍ
عارٍ عَنِ الرَحمَةِ خاوٍ جَديبْ
حَياتُكَ المَأساةُ مَثَّلتَها
ذِروَتَها الفَصلُ الأَخيرُ الكَئيبْ
وَراقَبَ الناسُ تَفاصيلَها
لكِنَّهُ ما إِن وَعاها رَقيبْ
يا حَسرَتاهُ قَد فاتَني بَدؤُها
وَأُسدِلَت قَبلي عَلَيها الحُجوبْ
أَولا فَلَو أَبصَرتَها كُلَّها
لَكُنتُ مِن وَجدي وَحُزني أَذوبْ
إِنّي مِنَ الناسِ وَلكِنَّني
في رِقَّتي عَنهُمُ بَعيدٌ جَنيبْ
أَبكي عَلى الظالِمِ مِن رِقَّةٍ
وَخِنجَر الظالِمِ مِنّي شَريبْ
فِراقُ هذا الناسِ عيدٌ فَلا
تَجزعْ وَذي الراحَةِ بَعدَ اللُغوبْ
———————————————————————–
الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود
(ولد عام 1913 – استشهد في 13 يوليو 1948)،
مجاهد وشاعر فلسطيني ولد في عنبتا الفلسطينية
كتب قصائد شعرية سياسية أشهرها «الشهيد». شارك في ثورة 1936-1939 وفي حرب 1948، واستشهد بالقرب من قرية الشجرة في شمال فلسطين.
استشهد عبد الرحيم محمود يوم 13 يوليو 1948م في قرية الشجرة عن عمر قارب 35 عاماً حيث أصابته قذيفة في عنقه
خلف عددًا من القصائد كتبها بين عامي 1935م، 1948م.. جمعتها لجنة من الأدباء بعد وفاته بعشر سنوات، وكان قد نشر بعضها في المجلات الفلسطينية واللبنانية والسورية والمصرية.
صدر ديوانه في عَمان عام 1958م وهو يضم سبعًا وعشرين قصيدة. هي أهم ما كتبه في عمره القصير المليء بالكفاح.
ومن أشهر قصائده.. قصيدة (الشهيد):
سَأَحمِلُ روحي عَلى راحَتي
وَأَلقي بِها في مَهاوي الرَّدى
فَإِمّا حَياةٌ تَسُرُّ الصَديقَ
وَإِمّا مَماتٌ يَغيظُ العِدى
وَنَفسُ الشَريفِ لَها غايَتانِ
وُرودُ المَنايا وَنَيلُ المُنى
وَما العَيشُ لا عِشتَ إِن لَم أَكُن
فَخَوفَ الجِنابِ حَرامَ الحِمى
إِذا قُلتُ أَصغى لي العالَمونَ
وَدَوّى مَقالي بَينَ الوَرى
لَعَمرُكَ إِنّي أَرى مَصرَعي
وَلكِن أَغذُّ إِلَيهِ الخُطى
أَرى مَقتَلي دونَ حَقّي السَليب
وَدونَ بِلادي هُوَ المُبتَغى
يَلِذُّ لِأُذني سَماعُ الصَليل
يَهيِّجُ نَفسي مَسيلُ الدِّما
وَجِسمٌ تَجَدَّلَ فَوقَ الهِضابِ
تُناوشُهُ جارِحاتُ الفَلا
فَمِنهُ نَصيبٌ لِأُسدِ السَماءِ
وَمِنهُ نَصيبٌ لِأُسدِ الشَرى
كَسا دَمُهُ الأَرضَ بِالأُرجُوانِ
وَأَثقَلَ بِالعِطرِ ريحَ الصَبا
وَعَفَّرَ مِنهُ بَهِيَّ الجَبينِ
وَلكِن عَفاراً يَزيدُ البَها
وَبانَ عَلى شَفَتَيهِ اِبتِسام
مَعانيهِ هُزءٌ بِهذي الدُنا
وَناَم لِيَحلمَ حُلمَ الخُلودِ
وَيَهنَأَ فيهِ بِأَحلى الرُوءى
لَعُمرُكَ هذا مَماتُ الرِجالِ
وَمَن رامَ مَوتاً شَريفاً فَذا
فَكَيفَ اِصطِباري لِكَيدِ الحُقودِ
وَكَيفَ اِحتِمالي لِسومِ الأَذى
أَخَوفاً وَعِندي تَهونُ الحَياةُ
وَذُلّاً وَإِنّي لَرَبُّ الإِبا
بِقَلبي سَأَرمي وُجوهَ العُداة
وَقَلبي حَديدٌ وَناري لَظى
وَأَحمي حِياضي بِحَدِّ الحُسامِ
فَيَعلَمُ قَومي بِأَنّي الفَتى
—————
من أشهر ما كُتب عنه:
الشاعر الفلسطيني الشهيد عبد الرحيم محمود، د. جابر قميحة.
عبد الرحيم محمود بين الوفاء والذكرى، الشاعر أديب رفيق محمود
عبد الرحيم محمود: شاعر يبحث عن هوية. د. محمود غنايم