في خيمة ممزقة برفح يجلس الطفل عمر سنة واحدة لكن جسده لا يتعدى وزن رضيع عمره شهران عيناه واسعتان فوق وجه هزيل يشبه الجماجم هذا المشهد ليس استثناء بل هو الصورة اليومية لأطفال غزة حيث تحول القطاع خلال ستمائة يوم إلى جحيم مفتوح تطحن آلة الجوع أطفاله قبل القنابل.
الأرقام التي تقشعر لها الأبدان
قبل السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ كان هزال الأطفال نادراً في غزة بنسبة ٠٨ بالمئة فقط بعد عامين من الحرب ارتفع الرقم إلى خمسين بالمئة وفقاً لأحدث تقارير يونيسف أي أن نصف مليون طفل تحت الخامسة يواجهون الموت جوعاً اليوم بينما تحول أربعة عشر ألف طفل إلى مشوهين جسدياً وعقلياً بفعل المجاعة المستمرة هذه النسبة تعادل ارتفاعاً بمقدار ستة آلاف ومئتين وخمسين ضعفاً.
آليات الإبادة الصامتة
تشكل سياسة التجويع المنظم أخطر أسلحة الحرب حيث يحاصر الاحتلال الإسرائيلي دخول المواد الغذائية بنسبة ثمانية وتسعين بالمئة ويحول مياه الشرب إلى سلعة نادرة وسط مخيمات النزوح في هذا المستنقع الموبوء انتشرت الكوليرا والتيفوئيد والإسهال المميت الذي يفتك بالأجساد المنهكة
يقول الدكتور أشرف القدوة مدير مستشفى الشفاء بينما يحمل طفلاً يزن ثلاثة كيلوغرامات في عمر السنتين أوزان أطفالنا أقل سبعين بالمئة من المعدلات الطبيعية نعجز عن علاجهم بالماء والسكر فقط هذه المكونات تحولت إلى رفاهية.
جريمة الهزال القاتل
تؤكد منظمة الصحة العالمية أن الهزال الحاد يدفع جسد الطفل لأكل نفسه حيث تذوب العضلات وينهار الجهاز المناعي وتتحول نزلة برد عادية إلى حكم إعدام ليلى أبو عيطة أم لثلاثة أطفال في خيمة بريف رفح تكشف فظاعة المشهد أطعم أطفالي أوراق الأشجار المسلوقة وعند البكاء أضع أيديهم على بطونهم المنتفخة كي لا تصدح أصواتهم بالجوع.
نظام الجوع القسري
يعيش تسعون بالمئة من أطفال غزة على أقل من خمسمئة سعرة حرارية يومياً ربع احتياجهم الطبيعي بينما يحرم خمسة وتسعون بالمئة منهم من البروتين بشكل كامل هذه العوامل تصنع كارثة جيلية حيث يؤكد خبراء اليونيسف أن سوء التغذية قبل سن الخامسة يسبب تلفاً دماغياً لا رجعة فيه ما يعني خلق جيل كامل من المعاقين تعليمياً وجسدياً.
تحذيرات الأمم المتحدة الصارخة
وصف مدير برنامج الأغذية العالمي في القدس الوضع بأنه تجاوز مرحلة الكارثة الإنسانية نحن أمام إبادة جيل كامل لم تعرف البشرية مثيلاً لها منذ محرقة الحرب العالمية الثانية هذه العبارة تتردد في أحدث تقارير الشبكة العالمية لمكافحة الأزمات الغذائية التي تشير إلى أن غزة أصبحت أول منطقة في العالم غير صالحة للحياة بمعايير القرن الحادي والعشرين.
وصمة عار على جبين الإنسانية
بينما تعلن منظمة أكشن أجينست هنجر أن معدلات سوء التغذية في غزة تفوق أسوأ سيناريوهات الصومال وجنوب السودان يختتم الأمين العام للأمم المتحدة تقريره الشهري بالقول عندما يموت طفل جوعاً في عصر التكنولوجيا الفائقة تحت أنظار العالم ليست هذه مجرد جريمة حرب بل هي إدانة أخلاقية لكل من يقف متفرجاً.