شهدت محافظة المنوفية صباح أمس الجمعة مجزرة مرورية مأساوية راحت ضحيتها 19 روحًا بريئة بينهم 18 فتاة من العاملات باليومية وسائق ميكروباص، بعد تصادم مروّع بين شاحنة نقل ثقيل (تريلا) وحافلة صغيرة على الطريق الإقليمي بنطاق مركز أشمون، في مشهد دموي هزّ مصر بأكملها.
وقالت مصادر أمنية وطبية إن الحادث وقع في ساعة مبكرة صباح الجمعة، حيث اصطدمت شاحنة مسرعة كانت تسير في الاتجاه المعاكس، بسيارة ميكروباص تقل فتيات عاملات، كنّ في طريقهن من قرية كفر السنابسة إلى أحد مواقع العمل في دلتا النيل، على بعد نحو 100 كيلومتر شمال القاهرة.
“شهيدات لقمة العيش”.. أعمار الزهرات بين 14 و22 عامًا
وكشفت قوائم الضحايا المنشورة عبر وسائل الإعلام الرسمية أن أعمار الفتيات الضحايا تراوحت بين 14 و22 عامًا، ووصفت وسائل الإعلام المشهد بأن ما وقع هو “جريمة عمرها دقائق وسوادها باقٍ سنوات”، بينما أطلق كثيرون على الفتيات وصف “شهيدات لقمة العيش“، بعدما تركن تعليمهن وأحلامهن للعمل بأجر زهيد من أجل إعالة أسرهن.
وتحولت قرية كفر السنابسة في مركز منوف إلى سرادق عزاء مفتوح، حيث شيّعت جنازات جماعية للفتيات في مشهد مهيب، خرج فيه المئات من الأهالي لتوديع بناتهم، بينما توالت حالات الإغماء من أمهات وشقيقات الضحايا، وسط صرخات ألم تهزّ القلوب.
سائق التريلا في قبضة الأمن.. والتحقيقات جارية
من جانبها، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على سائق الشاحنة المتسبب في الحادث، والذي حاول الفرار عقب الحادث، وتمت إحالته إلى النيابة العامة التي باشرت التحقيق في ملابسات الكارثة، وشملت التحقيقات الفحص الفني للشاحنة وسجل الحوادث على الطريق الإقليمي، وسط مطالب شعبية بمحاسبة المتسببين في استمرار هذا النزيف اليومي على الطرق.
تعويضات عاجلة من الدولة.. 100 ألف جنيه لأسرة كل ضحية
وأعلنت الهيئة العامة للرقابة المالية صرف تعويض فوري بقيمة 100 ألف جنيه لكل أسرة من أسر الضحايا، في إطار تنفيذ قانون التأمين الموحد رقم 155 لسنة 2024. ووجّه الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة، المجمعة المصرية للتأمين الإلزامي بسرعة صرف التعويضات وتسهيل الإجراءات على الأهالي، مؤكدًا أن ملف الحادث بات أولوية قصوى.
كما تم الإعلان عن صرف تعويضات متفاوتة للمصابات الثلاث اللواتي نجون من الموت بأعجوبة، لكن إصاباتهن وُصفت بالخطيرة، ويتم حاليًا تقييم نسب العجز لتحديد التعويض المستحق.
مأساة تفضح واقع الطرق وغياب الرقابة
الحادث أعاد إلى الواجهة مرة أخرى الكوارث المتكررة على الطرق المصرية، في ظل ضعف تطبيق قوانين المرور، وسوء حالة بعض الطرق، إضافة إلى تكدس حافلات نقل العمال، وخصوصًا القاصرين، في ظروف نقل غير آدمية.
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فإن نحو 1.3 مليون طفل في مصر يعملون في أشكال متعددة من عمالة الأطفال، أغلبهم دون السن القانونية، ويواجهون يوميًا خطر الطرق، والعمل الشاق، دون حماية كافية.
دموع ونداءات على مواقع التواصل
وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحات عزاء إلكترونية، وكتب آلاف المصريين عبارات الرثاء والغضب، منددين بالإهمال الذي يقتل الأبرياء يوميًا، بينما شارك الكثيرون صورًا من الجنازات ولقطات للضحايا تحت وسم:
#شهيدات_لقمة_العيش و #حادث_المنوفية.
فيما أطلق عدد من النشطاء دعوات لاعتبار يوم 27 يونيو “يوم حداد رسمي” على أرواح ضحايا الحادث، وتخصيص حملات توعية مرورية، وتشديد الرقابة على المركبات ووسائل نقل العمال في المحافظات الريفية.
هذا الحادث لم يقتل فقط أجساد الفتيات، بل قتل أحلامًا وأعمارًا ما زالت في أول الطريق.. والمأساة ليست الأولى، لكنها لن تكون الأخيرة ما لم تتغير ثقافة الطرق وتُطبق القوانين بحزم.